إيلاف من القاهرة: يرى &خبراء أن الاقتصاد التركي مرشح للمزيد من التدهور، بسبب ما وصفوه بـ"الغباء السياسي" والممارسات العدائية والاستعلائية" للرئيس رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى شيوع مناخ القمع وانتشار الاعتقالات منذ محاولة الانقلاب العسكري ضده في 15 يوليو 2016، أدى إلى هروب رؤوس الأموال والاستثمارات من تركيا.

وقال رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن عملية انهيار الليرة التركية جاءت على مرحلتين، مشيرًا إلى أن المرحلة الأولى بدأت مع تدخل أردوغان في السياسة النقدية وشؤون البنك المركزي بشكل مباشر، وانتهت برئيس البنك، واتهامه للمسؤولين عن الاقتصاد بالفشل، وتهديدهم بالعزل، مشيرًا إلى أن ذلك خلق حالة من الغضب في القطاع المصرفي، بالإضافة إلى حالة من عدم المصداقية لدى رجال الأعمال، وعدم استقرار في الاقتصاد التركي.

وأضاف أن &هذه الحالة من عدم الاستقرار، ولأن رأس المال بطبيعته "جبان"، &أديا إلى احجام رجال الأعمال الأجانب عن ضخ المزيد من الاستثمارات، بل وسحب بعضها، ما أسفر عن قلة المعروض من العملة الأجنبية، وزيادة الطلب عليها، وانهيار الليرة.

وأوضح لـ "إيلاف" أن السبب الرئيسي وراء الانهيار، يرجع إلى سياسة أردوغان، مشيرًا إلى أنه "بلع الطعم"، وتصور أنه أقوى من أميركا وأوروبا والعالم كله، وبعد أن نقض اتفاقه مع الإدارة الأميركية بالإفراج عن القس الأميركي المحتجز لديه، "أخدته العنترية"، ورفض اتمام الاتفاق، وسجنه مرة أخرى أو وضعه رهن الإقامة الجبرية.

العقوبات الأميركية

ولفت إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب واجه هذا "الغباء السياسي" من قبل أردوغان بقوة، وفرض رسومًا مضاعفة على صادرات الصلب والحديد التركية، منوهًا بأن العقوبات الأميركية أدت إلى تسريع وتيرة انهيار الليرة، وشح العملات الأجنبية، ولاسيما الدولار.

وأشار إلى أن تصريحات ترمب التي قال فيها إن "العلاقات مع تركيا في أسوأ حالاتها"، ساهمت أيضًا في هروب رأس المال الأجنبي من تركيا وسحب بعض الودائع بالعملة الأميركية، كما أن مناشدة أردوغان الأتراك بوضع الدولارات في البنوك، جاءت بنتائج عكسية، وأظهرت الأزمة بقوة، وزادت من الطلب على الدولار، مشيراً إلى أن الاقتصاد يحتاج إلى الاستقرار.

وحول تأثير الأزمة إيجابيًا على مصر، قال عبده، إن الفرصة مواتية حاليًا لجذب الاستثمارات التي هربت من تركيا، وتنشيط حركة السياحة، لكنّ للأسف المسؤولين في مصر ليسوا على قدر المسؤولية.

وأوضح أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قام بجولات كثيرة في مختلف دول العالم، ويعقد لقاءات واجتماعات مستمرة في الداخل والخارج مع وزراء استثمار واقتصاد ورؤساء شركات عملاقة، لكنّ للأسف الشديد الوزراء المسؤولين عن الملف الاقتصادي لم يستمروا بجهود الرئيس بشكل جيد لجذب الاستثمارات إلى مصر أو تنشيط حركة السياحة.

وكانت الليرة التركية قد فقدت نحو 40% من قيمتها مقابل الدولار واليورو منذ مطلع العام الجاري 2018.

أسباب سياسية واقتصادية

وحسب وجهة نظر يمن الحماقي، الخبيرة الاقتصادية، فإن هناك أسبابا سياسية واقتصادية واجتماعية أدت إلى انهيار العملة التركية، مشيرة إلى أن سياسة القمع التي يتبعها الرئيس أردوغان أثرت بالسلب على الاقتصاد والاستثمار الأجنبي وخاصة الأوروبي وفرص النمو، وأدت إلى انهيار الليرة.

وأوضحت أن الأزمة بدأت مع محاولة الإنقلاب العسكري ضد أرودغان في 15 يوليو 2016، مشيرة إلى أن الرئيس التركي بدأ في حملات اعتقال واسعة طالت موظفين مدنيين وعسكريين، ورجال أعمال ورموزا في المجتمع التركي، وتحولت الدولة إلى النظام القمعي، مما انعكس على المناخ الاقتصادي بشكل سلبي، لاسيما أن تركيا تعتمد على الاستثمارات الأجنبية.

وأضافت لـ "إيلاف" أن العقوبات الأميركية ساهمت بقوة في التردي الاقتصادي سريعًا وانهيار العملة، منوهة بأن مناشدة أردوغان للشعب التركي التخلي عن الدولار وغيرها من العملات الأجنبية، وإيداعها بالبنوك بعد استبدالها بالليرة، كانت مؤشرًا خطيراً على أن الاقتصاد التركي يواجه أزمة حقيقية، وزادت من حالة الذعر لدى المستثمرين الأجانب، وحائزي العملات الأجنبية من الأتراك، وقالت إن هذه المناشدة جاءت بنتائج سلبية وعكسية.

وكان الرئيس التركي قد ناشد الأتراك تسليم الدولار واليورو والذهب إلى البنوك، وقال:"إن كانت لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونه، اذهبوا إلى المصارف لتحويلها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني". وأضاف: "إذا كانت لديهم دولاراتهم، فنحن لنا ربنا وشعبنا".

ونبهت إلى أن "النبرة العدائية والإستعلائية" التي تعامل بها أردوغان مع دول أوروبية وعربية، كان لها دور أيضًا في الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة المحلية، منوهة بأنه مستمر في التعامل بتلك الطريقة، ويهدد أوروبا وأميركا بالإتجاه إلى الشرق نحو الصين وروسيا ودول شرقية، وهذه الدول لن تعوض تركيا عن الأسواق الأوروبية التي تعتبر شريكًا أساسيًا في نهضتها الاقتصادية.

وأشارت الحماقي إلى أن الأزمة الاقتصادية في تركيا وانهيار الليرة، سوف يؤثران بالسلب على التبادل التجاري مع مصر، مشيرة إلى أن هناك استثمارات تركية في مصر، و العكس سوف تتأثر أيضًا.

وقال الدكتور علي الأدريسي، الخبير الاقتصادي، إن الاقتصاد التركي يدفع ثمن الغباء السياسي للرئيس رجب أردوغان، مشيرًا إلى أنه اتخذ الكثير من المواقف العدائية سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا من بعض الدول العربية، بل والأوروبية، ثم الولايات المتحدة الأميركية، التي تعتبر أقوى دول العالم اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا.

وأضاف لـ "إيلاف" أن الليرة التركية انخفضت بنسبة أكثر من 30%، بسبب الغباء السياسي، لافتًا إلى أن فاتورة الاستيراد بالنسبة للاقتصاد التركي سوف ترتفع، لاسيما أنه يعتمد على استيراد الغاز وغيره من المواد الخام والسلع الضرورية.

الانفاق العسكري

وأفاد بأن زيادة الانفاق العسكري، بسبب التدخل في سوريا، أنهكت الاقتصاد التركي أيضًا، ومن المتوقع في العجز من 1% إلى 1.5%، منوهًا بأن العقوبات التي اتخذتها أميركا ضد تركيا، سوف تؤدي إلى مزيد من العقوبات من دول أخرى أوروبية وغربية وعربية، أو الشركاء التجاريين المهمين، بشكل غير مباشر، لاسيما أن أردوغان لديه خلافات مع دول كثيرة.

ولفت إلى أن الاقتصاد التركي سوف يمضي في طريق الانهيار، ما لم يتوقف أردوغان عن ممارسة الغباء السياسي، مشيرًا إلى أن لديه خلافات ومشاكل سياسية مع العديد من الدول العربية، وفي مقدمتها مصر والإمارات والعراق وألمانيا وهولندا، بالإضافة إلى مشاكل مع أميركا، وهذه الأزمات السياسية تؤثر بالطبع على تدفق روؤس الأموال وحجم التبادل التجاري.

وحول انعكاسات الأزمة التركية على الاقتصاد المصري إيجابيًا، قال الإدريسي، إن هناك فرصا استثمارية كثيرة يمكن أن تستفيد منها مصر، لاسيما أن المناخ الاستثماري المصري يتسم حاليًا بالانفتاح والاستقرار، وهناك بنية تحتية ومشروعات قومية كبرى بالإضافة إلى أكثر من 14 مدينة جديدة، مشيرًا إلى أن الاستفادة من الأوضاع الراهنة في المنطقة تعتمد على مدى قدرة المسؤولين في الحكومة على الترويج للفرص الاستثمارية المتاحة، بالإضافة إلى الترويج للسياحة المصرية، لاسيما أن فترة عدم الاستقرار والتدهور في تركيا ستؤدي إلى هروب السائحين واستعادة حصة مصر من السياحة الدولية.