لم تعد علاقة الولايات المتحدة والصين اليوم كالسابق، فبعدما كانت قائمة على التقارب والتكامل، أصبحت واشنطن ترى في بكين خطرًا حقيقيًا ومنافسًا استراتيجيًا مزعجًا لا بد من وضع سقف لطموحاته.

إيلاف: تأسس النهج الذي ظلت تتعامل به أميركا تجاه الصين طوال الربع القرن الماضي على الإيمان بالتقارب. فلم يعمل التكامل الاقتصادي والسياسي على جعل الصين أكثر ثراءً فحسب، بل جعلها أيضًا أكثر ليبرالية، تعددية وديمقراطية.&

ورغم حدوث أزمات، كالمواجهة التي وقعت في مضيق تايوان عام 1996 أو إسقاط طائرة تجسس عام 2001، لكن أميركا اهتدت إلى قناعة مفادها أن الصين ستنضم، بمساعدة الحوافز المناسبة، إلى النظام العالمي في نهاية المطاف باعتبارها "صاحبة مصلحة مسؤولة".

سباق على الانتقاد
اليوم تبدو الأمور قد اختلفت تمامًا، حيث اختفى التقارب، وبدأت تنظر أميركا إلى الصين على أنها منافس استراتيجي، وعنصر حاقد وكاسر للقوانين. كما تتهمها إدارة ترمب بالتدخل في الشؤون السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة، وسرقة الملكية الفكرية ومزاولة التجارة بشكل غير عادل، إلى جانب سعيها، ليس فقط إلى كسب الزعامة في آسيا، وإنما أيضًا إلى فرض هيمنتها على الصعيد العالمي. كما إنها تشجب السجل الصيني الخاص بحقوق الإنسان في الداخل، والتوسع بشكل عدواني في الخارج.

لم تقتصر الانتقادات التي طالت الجانب الصيني على تلك التي وجّهها الرئيس دونالد ترمب ونائبه، مايك بينس، بل امتدت أيضًا لنواب جمهوريين وديمقراطيين، دخلوا في سباق للتفوق على بعضهم البعض في انتقاد الصين بكل عنف.

دولة منافقة
في غضون ذلك، تباشر الصين العمل من أجل إحداث بعض التغييرات الخاصة بها، خاصة أن المسؤولين عن وضع الاستراتيجيات المختلفة للصين يَشُكُّون منذ فترة طويلة في أن الولايات المتحدة تسعى سرًا إلى وقف صعود دولتهم والتصدي لذلك.

ربما يعتبر ذلك سببًا من الأسباب التي تقف وراء سعى الصين إلى تقليل احتمالات اندلاع مواجهة. كما يرون الصينيون أن الأزمة المالية التي حدثت عام 2008 لغت الحاجة إلى التزام التواضع والتعامل بقنوت، حيث أدت تلك الأزمة إلى تراجع أميركا وازدهار الصين. كما يرى كثير من الصينيين أن أميركا دولة منافقة ترتكب كل الخطايا التي تتهم بها الصين، وأن عصر الاختفاء والانتظار قد انتهى في واقع الأمر.

وهو أمر مقلق بشكل كبير للغاية، فحسب ما نقلته مجلة "إيكونوميست" البريطانية عن مفكرين، مثل غراهام أليسون، من جامعة هارفارد، فإن الدول المهيمنة، كالولايات المتحدة والقوى الصاعدة كالصين، يمكن أن يدخلوا في دورة من التنافس العدواني.
&&
تفاهم لتجنيب المواجهة
في المقابل يشعر الأميركيون بخوف نتيجة لوقوف عنصر الوقت في مصلحة الجانب الصيني، فالاقتصاد الصيني ينمو أسرع من نظيره الأميركي بمعدل يزيد على الضعف حاليًا، فضلًا عن مواصلة بكين سكب الأموال بغزارة في قطاعات التكنولوجيا المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي، الحوسبة الكمومية والتكنولوجيا الحيوية.&

مضت "إيكونوميست" تقول إن الصين وأميركا بحاجة فعلية إلى الوصول إلى تفاهم سلمي لتجنب مواجهة خطرة قد تعصف بالبشرية، لكن كيف؟... هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه.&

أعقبت المجلة بقولها إن ترمب وإدارته لديهم الحق في 3 أمور، أولها أن أميركا بحاجة إلى أن تكون قوية، وثانيها أن أميركا بحاجة إلى إعادة ضبط التوقعات حول السلوك الصيني، وثالثها أن قدرة ترمب الفريدة على إبراز عدم اكتراثه بالحكمة التقليدية تبدو فعالة.

مساحة للنهوض
بخصوص ما قد يحدث مستقبلًا، نوهت المجلة بأن ترمب بحاجة إلى إستراتيجية، وليس فقط إلى تكتيكات، وأن نقطة البداية يجب أن تكون عبر تعزيز قيم أميركا، وهي الجزئية التي يغفلها ترمب، وهي جزئية حساسة لأنها قد تؤدي إلى تراجع أميركا كفكرة وكقوة أخلاقية وسياسية. فمن الواجب حين تتنافس أميركا مع الصين، باعتبارها وصية على النظام القائم على القواعد أن تبدأ من موضع قوة في الواقع.

كما يجب أن تنطوي تلك الإستراتيجية التي تتبعها واشنطن على ترك مساحة للصين كي تنهض فيها بسلام، وهو ما يعني حتمًا كذلك السماح للصين بتوسيع نفوذها. ويجب أن تنطوي الإستراتيجية الخاصة بأميركا على الأصول التي تفصلها بشكل أوضح عن الصين، وهي التحالفات. وربما لا مفر من أن يؤول الأمر في النهاية إلى وجود تنافس بين الصين وأميركا، لكن ليس حتميًا أن يؤدي التنافس إلى الحرب.
&
أعدت "إيلاف" التقرير نقلًا عن مجلة "إيكونوميست" البريطانية. المادة الأصل على الرابط
https://www.economist.com/leaders/2018/10/18/the-end-of-engagement