تعد صناعة الغزل والنسيج من أعرق الصناعات في مصر وتستوعب عمالة كثيفة، وكانت حتى وقت قريب تنافس بقوة في الأسواق العالمية، لكنها تراجعت وتدهورت بشكل ملحوظ.

وتسعى الدولة إلى إقالة شركات قطاع الأعمال العام من عثرتها، ولاسيما شركات الغزل والنسيج التي يقدر عددها ب23 شركة، وتضم عشرات الآلاف من العمال.

وفي سعيه نحو تحقيق التنمية الشاملة في مصر، عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، اجتماعًا مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، والمهندس عمرو نصار وزير التجارة والصناعة، وهشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام استعرض خلال الاجتماع موقف شركات قطاع الأعمال العام في القطاعات المختلفة وخطط الوزارة لكيفية التعامل مع المتعثر منها وإصلاح تلك التي تحتاج لتطوير، ودعم الشركات الناجحة، حيث وجه الرئيس فى هذا الشأن بالاستمرار في تطوير شركات قطاع الأعمال العام، بهدف إصلاح هذا القطاع بما يضمه من أصول متنوعة ومقومات تؤهله للمساهمة في عملية التنمية الشاملة، مشدداً على حسن إدارة وحوكمة أداء تلك الشركات على نحو ينعكس على إنتاجيتها ويعزز من مساهمتها فى الاقتصاد.

ويرى المسؤولين عن صناعة الغزل والنسيج، أنها تواجه العديد من التحديات الخطيرة، منها الأعباء المادية، والمنافسة غير الشريفة مع المنتجات الأجنبية، ولاسيما المهربة من الخارج، بالإضافة إلى عدم وجود حماية من الدولة لها، وأجمعوا على ضرورة حماية الصناعة على طريقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفرض جمارك تتراوح ما بين 25% و30% ضد المنتجات الأجنبية، وإلغاء اتفاقية التجارة مع تركيا، متهمين إياها بممارسة حرب سياسية واقتصادية ضد مصر.

وقال مدير شركة العاشر من رمضان للصناعات النسيجية، محمد ممدوح، إن صناعة الغزل والنسيج في مصر تواجه العديد من المشاكل، مشيرًا إلى أخطر ما يهددها هو اعتمادها على الاستيراد في غالبية الخامات والمكونات.

وأضاف لـ"إيلاف" رغم أن مصر تعتبر الدول الأكبر في زراعة القطن، وله سمعة عالمية، إلا أن المصانع تستورد الغزل والقطن من الهند وباكستان، لأن انتاج مصر من القطن يصدر غالبيته للخارج في صورته الخام، منوهًا بأن المصانع تستورد أيضًا الصبغة من الخارج، سواء من تركيا أو الصين.

وذكر أن مصر كانت يوجد بها مصنع واحد فقط للصبغة، وينتج نحو 20 طنًا يوميًا، في حين أن المصانع تحتاج إلى مئات الأطنان، ويتم استيرادها من كوريا الجنوبية، التي أنشأت مصانع للأصباغ بعد مصر بنحو 25 سنة، ولكن الطاقة الانتاجية لأي مصنع هناك تصل إلى 400 طن يوميًا.

وكشف أن صناعة الغزل والنسيج تواجه مشكلة أخرى خطيرة، وهي نقص الأيدي العاملة، مشيرًا إلى أن المصانع لا تجد عمالة ماهرة لسد حاجتها، بسبب عدم كفاءة التعليم الفني.

ودعا إلى ضرورة حماية هذه الصناعة من خطر الإغراق، وربط التعليم الفني باحتياجاتها من العمالة، حتى تستطيع الاستمرار والمنافسة محليًا ودوليًا.

وقال رئيس مجلس إدارة شركة شبين الكوم للغزل والنسيج، المهندس شوقي الصياد، إن المشاكل التي يعاني منها قطاع الغزل والنسيج واحدة، وليست هناك مشاكل منفرد لكل شركة.

وأوضح أن الأزمة ليست في سوء إدارة، ولكنها أزمة سياسات، مشيرًا إلى أن الحكومة تحمل الشركات أعباء كثيرة، منها أعباء الزيادات الأخيرة في الأجور، وخاصة العلاوات.

وأضاف لـ"إيلاف" أن الحكومة منحت العمال علاوة استثنائية قدرها 200 جنيه، وطالبتنا بصرفها من ميزانية الشركة المنهكة، مشيرًا إلى أن الشركة التي تضم 3 آلاف عامل، سوف تحتاج إلى 600 ألف جنيه شهريًا، أي ما يزيد على سبعة ملايين سنويًا، بالإضافة إلى وضع علاوة 2013 على المرتب مما يرفع الأساسي والبدلات، ويزيد من الأعباء بنحو 30 مليون جنيه في السنة.

وكشف أن قرار الحكومة بزيادة أسعار القطن للفلاح طويل التيلة بـ2500 جنيه للقنطار السنة المقبلة، ما يعني أن سعر الطن سوف يصل إلى 50 ألف جنيه، ما يحد من قدرة شركات الغزل والنسيج على المنافسة، لاسيما أن الغزول المستوردة من الخارج سواء من الهند أو إندونيسيا بنجلاديش أو باكستان أو فيتنام تكون أسعارها منخفضة، لأنها تدعم هذه الزراعة من ميزانية الحكومة، ولكن في مصر شركات الغزل والنسيج هي ما تتحمل الدعم إلى المزارعين، وليس الحكومة.

وأضاف أن المشكلة الأصعب تعاني منها 23 شركة غزل ونسيج، تتمثل في زيادة فواتير الكهرباء سنويًا، موضحًا أن وزارة الكهرباء رفعت سعر الكيلوات إلى 136 قرشًا، بنسبة 36%، متسائلًا: هل هناك شركة واحدة في مصر تحقق أرباحًا بنسبة 36%، حتى تدفعها للكهرباء؟!

قال إن هناك أزمة كبرى تواجه شركات الغزل والنسيج، وتتمثل في انخفاض الجمارك على البضائع المستوردة، موضحًا أن أميركا تفرض جمارك بنسبة 35% على وارداتها من الحديد، لتحمي صناعتها الوطنية من الإغراق.

وأفاد بأن مصر تفرض جمارك هزيلة على وارداتها من الغزول، تقدر بنسبة 5%، وفي الوقت نفسه تفرض جمارك تقدر بـ25% على الحديد المستورد، رغم أن 90% من شركات تصنيع الحديد في مصر شركات خاصة، ومن المفترض أن يتم حماية صناعة الغزل والنسيج التي تقوم غالبيتها على شركات القطاع العام.

وطالب بضرورة رفع الجمارك على البضائع النسيجية والغزول بنسب تتراوح ما بين 25 و30%، حتى يمكن لهذه الصناعة المنافسة محليًا ودوليًا.

وأشار إلى أنه في الوقت نفسه تستورد الشركات الألياف الصناعية من الخارج من دول الهند وإندونيسيا، بأسعار مرتفعة، ويصدر أيضًا الغزول إلينا، ولكن بأسعار مرتفعة، مما يجعل الشركات المصرية غير قادرة على المنافسة في السوق المحلي.

وحذر من أن أية خطوات للتطوير أو تحديث المعدات والماكينات بدون حماية الصناعة من المنافسة الخارجية، وبدون فرض جمارك عادلة على الواردات، لكن تستطيع هذه الصناعة أن تنهض مرة أخرى.

وفيما يخص كثافة العمالة، قال الصياد إن الشركات تستطيع استيعاب العمالة وإعادة توزيعها على أماكن العمل الأخرى، لكن يجب حماية الصناعة.

وقال عضو مجلس النواب ورئيس غرفة الصناعات النسيجية، المهندس محمد المرشدي، إن صناعة الغزل &والنسيج من أعرق الصناعات في مصر، مشيرًا إلى أنها تستوعب حجم كبير من العمالة تمثل نحو 25% من العمالة الصناعية.

وأضاف لـ"إيلاف" أن الصناعة النسيجية تعاني من العديد من المشاكل والأزمات، موضحًا أنها تتعرض للإضرار، بسبب المنافسة غير الشريفة مع الصناعات الخارجية، لاسيما مع استمرار وكثافة عمليات التهريب.

ولفت إلى أن هناك حاجة لإنقاذ هذه الصناعة عبر اتخاذ مجموعة من الإجراءات الضرورية، منوهًا بأن يجب أولًا الحد من الواردات الخارجية من زيادة الجمارك لحماية الصناعة الوطنية، كما هو الحال في غالية دول العالم.

وشدد على ضرورة مكافحة التهريب من الخارج، مؤكدًا أن التهريب يعد أخطر المشاكل التي تهدد هذه الصناعة، بالإضافة إلى تأثيرها على العملة الأجنبية في مصر، وعدم دفع جمارك أو ضرائب عليها.

وطالب بضرورة حظر دخول البضائع الأجنبية إلا من خلال فواتير بلد المنشأ أو المصدر، وأن تتم عمليات البيع في الداخل بالفواتير أيضًا، حفاظًا على صناعة الغزل والنسيج وحقوق الدولة في الجمارك والضرائب.

وأشار إلى أن البيئة الاستثمارية في مجال الصناعات النسيجية غير صحية، لافتًا إلى ضرورة أن يتم تحسين بيئة الاستثمار، وتعديل بعض القوانين، وتقليل الاستيراد من الخارج، لأن الاستمرار في إغراق الأسواق بالمصنوعات الأجنبية، يؤدي إلى انهيار هذه الصناعة وتشريد العمالة المصرية.

وطالب المرشدي بضرورة مراجعة الإتفاقيات التجارية مع بعض الدول، وخاصة تركيا، وشدد على ضرورة إلغاء الاتفاقية التجارية معها، متهمًا أنقرة بمحاربة مصر سياسيًا وتجاريًا واقتصاديًا.

ونبه إلى أن البضائع التركية وخاصة المنسوجات والملابس تغرق الأسواق المصرية، محذرًا من زيادتها في مصر بعد انهيار الليرة، لاسيما أن البضائع قلت قيمتها، وتسعى الشركات هناك إلى التخلص منها بأسعار منخفضة، مما يؤدي إلى توقف كثير من المصانع المصرية.

وقال إن هناك ضرورة لإصلاح وتطوير الشركات الحكومية والتابعة لقطاع الأعمال العام، مشيرًا إلى أن وجود شركات القطاع العام ضرورة لإحداث توازن في السوق مع القطاع الخاص والبضائع المستوردة.

وقال إن مجلس الوزراء اعتمد خطة مؤخرًا لتطوير هذه الشركات لتحسين المناخ الخاص بها، وإعادة هيكلتها، تتضمن ضخ أموال وتقديم الدعم اللازم لتحديث المعدات وشراء ماكينات جديدة، وتوفير الخامات التي تحتاج إليها، حتى تعود إلى سابق عهدها في المنافسة العالمية.

ولفت إلى أن خطة التطوير المعتمدة تشير إلى أن هذه الشركات تحتاج إلى نحو 8 مليارات جنيه، مؤكدًا أن الخطة استطاعت ايجاد مصادر التمويل من خلال استثمار الأصول والأراضي غير المستغلة، ودمج بعض الشركات معًا في كيان واحد، لزيادة طاقة العمل، وتعظيم دورها في السوق، بالإضافة إلى التوسع في زراعة محصول القطن المصري، وإيقاف استيراده من الخارج.، وتسوية الديون المستحقة على هذه الشركات، وتطوير أساليب الإدارة.