لا يصمد بناء في الهواء، فالأصل هو أن يتأسس البناء على قواعد، ذلك صحيح في كل مناحي الحياة وليس فقط للمنشآت، والإدارة العامة في الكويت، مجرد بناء في الهواء، فهي تهوي بشكل متكرر، لأنها فاقدة لقواعد الارتكاز. ففي الحقبة الممتدة من كانون الأول (ديسمبر) 2020 إلى نيسان (أبريل) 2024، أو في ثلاث سنوات ونحو نصف السنة، تعاقب على البلد ثمان حكومات والتاسعة قيد التشكيل، وخمس مجالس أمة، عمر الحكومة الواحدة 135 يوماً أو 9.2 بالمئة من زمن دورتها الكاملة، وعمر مجلس الأمة 244 يوماً أو نحو 16.8 بالمئة من زمن دورته الكاملة، ذلك شاملاً زمن تصريف العاجل من الأمور، وزمن تعطيل مجلس الأمة بعد كل حل. ومن غير المحتمل أن يتغير الوضع إلى الأفضل في المستقبل القريب، بل العكس هو الصحيح، فسرعة تساقط فرعا الإدارة العامة، سوف يؤدي إلى تآكل تدريجي للمشاركة فيهما للأفضل من الكفاءات، ويترجم في اتساع العزوف عن المنصب الوزاري، إضافة إلى عزوفها عن الترشيح للانتخابات النيابية. ومع الوقت، من يظل يتكالب على المنصبين، غلبة من ضعاف الكفاءة، وغلبة لمن ليس ضمن أولوياتهم بناء وتفوق بلد، وإنما استحلاب ثرواتها لصناعة ثروات شخصية.

وفقاً للدستور، نظام الحكم - الإدارة - في الكويت ديمقراطي، وللنظام الديمقراطي قواعد ثلاث، ما لم يرتكز ذلك النظام عليها، لا أمل في ثباته واستقراره ونجاحه في حشد موارد البلد وتوظيفها لبناء مستدام. القاعدة الأولى في النظام الديمقراطي هي تداول السلطة، والمقصود هنا تداول السلطة التنفيذية بشكل إرادي وسلمي، وهو نظام ابتدعته بريطانيا إبان صراع جيش الملك وجيش البرلمان – كرومويل – في أوساط القرن السابع عشر بعد فشل ديمقراطيتها الصورية. القاعدة الثانية والمكملة للأولى هي نظام حزبي مراقب مالياً ومحظور وفق قوانينه وقواعده إنشاء الأحزاب على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية أو مناطقية أو قبلية، وإنما وفقاً لنهج سياسي وبرامج بناء. والقاعدة الثالثة التي تضمن التوازن والرقابة الدائمة على أداء الإدارة العامة بفرعيها، هي المواطن دافع الضرائب، أو الممول لتكلفة إدارة وبناء الدولة، وذلك ما يضمن الحد الأقصى من محاربة الهدر والفساد، ويضمن حصافة توجيه مصارف الأموال لتحقيق الحد الأقصى الممكن من مستهدفات الدولة.

لا يتوفر أي من القواعد الثلاث في النظام الديمقراطي الكويتي، فالحكومات ثابتة نهجاً في تشكيلها ومنهجاً في أدائها مهما اختلفت شخوصها، والنواب، في الغالب الأعم، لا يمثلون سوى شخوصهم، والناخب تحول من دافع ضرائب إلى جابي ضرائب شراءً لولاء خائب لإبقاء من لا يستحق في السلطتين في منصبه، وحتى ذلك البقاء لا يتحقق. والنظام الديمقراطي ليس نظاماً مثالياً، ولكنه أفضل وأسلم نظام إدارة اخترعه العقل البشري حتى هذه اللحظة، بينما النظم البديلة، أسرع قراراً، وقد تنبهر بإنجازاتها، ولكنها تتشظى، دولة وسلطة، مع أول مشكلة حقيقية، والاتحاد السوفيتي والاتحاد اليوغسلافي وأوروبا الشرقية بشكل عام ودول رئيس الـ99 بالمئة مثال.

وخيار الكويت هو، إما العودة إلى أسس البناء الديمقراطي بقواعده الثالث، أو الترحم على ألبرت اينشتاين، القائل باستحالة نجاح استنساخ حلولنا المكررة البائسة، على أمل أن تأتي بنتائج مختلفة، ونتيجتها الحتمية هي بناء إدارة في الهواء لتهوي، المرة تلو الأخرى، حتى لا يعود لدينا ما يكفي من الطاقة والموارد والحماسة لتشييد أيّ بناء.