"إيلاف" من القاهرة: يعتبر المسرحي الراحل سمير خفاجي أحد رواد ومؤسسي المسرح ليس فقط بأعماله الإنتاجية ولكن بمعاشرته ورصده الدقيق لأحوال المسرح على مدار عقود والتي وثقها في كتابه "أوراق من عمري" الذي اصدره قبل رحيله بمساعدة الفنان القدير محمد أبو داود.
وتواصل إيلاف عبر عدة أجزاء حكايات المسرح المصري كما روها سمير خفاجي في مذكراته، ليسجل تأريخاً لمرحلة مهمة في مسيرة المسرح المصري ويتحدث فيها عن علاقته بالنجوم والمواقف التي حدثت وأغربها ذاكراً لوقائع بأسماء أصحابها.

الحلقات السابقة من مذكرات المسرحي سمير خفاجي

الحلقة الأولى: سمير خفاجي يؤرِّخ المسرح المصري في أربعينات القرن الماضي
الحلقة الثانية: سمير خفاجي العاشق لصوت "أم كلثوم": هكذا رحل نجيب الريحاني!
الحلقة الثالثة: سمير خفاجي يوثٍّق انطلاقة فؤاد المهندس وعلاقته بـ"الريحاني"
الحلقة الرابعة: سمير خفاجي: بشارة واكيم مات حزناً من الجمهور!
الحلقة الخامسة: سمير خفاجي: بديع خيري رفض التعاون مع فؤاد المهندس!


بديع خيري يواجه الكارثة
في سنة 1954 مرت فرقة الريحاني بكارثة كبرى إذا اعلن الاستاذ أبو السعود الإيباري وإسماعيل ياسين عن تكوين فرقة إسماعيل ياسين للمسرحية.. ولقد إسماعيل ياسين النجم الكبير القاسم المشترك الأعظم في السينما المصرية في ذلك الحين، يعتلي المسرح لأول مرة ليس كمونولوجيست بل كممثل، وتعاقد مع حسن فايق، وعبد الفتاح القصري واستيفان روستي.. أربعة من أساس الفرقة.. كما تعاقد مع السيدة تحية كاريوكا ولولا صدقي وفردوس محمد ومحمود المليجي والسيد بديربالإضافة لنجوم المسرح الحديث خريجي المعهد السيدة سناء جميل وعبد المنعم ابراهيم ونور الدمرداش وزهرة العلا مع فهمي أمان وعبد النبي محمد.. كل هذا الحشد من الممثلين في فرقة واحدة.. وكانت الإغراءات التي قدمها الأستاذ أبو السعود لأعضاء فرقة الريحاني كبيرة، حتى أن الاستاذ حسن فايق كان يتقاضي 300 جنيه شهريا على أن يقوم بدور في مسرحية وهو رقم فلكي في ذلك الحين، هذا بالإضافة أنه لا يعمل في كل مسرحية، فهو سيشترك في مسرحية الإفتتاح والمسرحية التي تليها لا يشترك فيها، بل يشترك فيها الأستاذ سيد بدير، وأعلنوا عن اسم مسرحية الافتتاح حبيبي كوكو.
على الجانب الآخر كنت آري الحزن مرتسما على وجوه أفراد فرقة الريحاني بعد أن انتزع منها أربعة من أكبر أقطابها وكنت أري بعض أعضاء النقابة الذين ليس لهم عمل يحاولون جاهدين أن يكون لهم مكان في الفرقة الوليدة.. الذي كان صامدا هو الأستاذ بديع فهو رجل المواقف الصعبة.. فكلما عبر بالفرقة إلى بر الأمان بعد موت الريحاني يأمل أن يعبر في هذه المرة أيضا، ظل الرجل يعمل في صمت واستعان بالاستاذ مختار عثمان لأول مرة في فرقة الريحاني، واكتفي بفنانيه المتبقين في الفرقة، وقدم مسرحية جديدة باسم (الحكم بعد المداولة) ونجحت المسرحية وعبرت الأزمة.
فرقة ساعة لقلبك..

&

&

بعد قيام الثورة قدمت الإذاعة المصرية برنامجا من أنجح البرامج في تاريخ الإذاعة وهو برنامج ساعة لقلبك.. الذي كان يقدم عمر فهمي.. والبرنامج قائم على مجموعة من المواهب الشابة وأغلبهم لم يسبق له العمل بالإذاعة وكان عموده الفقري يوسف عوف وهو خريج كلية الزراعة وكان له باع في حفلات السمر التي تقيمها الكلية، ضمت ساعة لقلبك مجموعة من نماذج الشخصيات حازت رضا الجماهير كالفشار أبو لمعة الأصلي الشخصية التي قدمها محمد أحمد المصري والخواجة بيجو الذي قدمه بنجاح فؤاد راتب، والفتوة الذي قدمه محمد يوسف، والفصيح الذي قدمه ممدوح فتح الله، والفلاح الذي كان يقدمه أمين الهنيدي، والرغاية التي كان يقدمها بنجاح أحمد الحداد.. وكذلك عبدالمنعم مدبولي الذي كان يقدم شخصيات مختلفة، والفأر وسلطان.. وبعد فترة انضم للبرنامج شخصية أسرت الجمهور وهو الدكتور شديد واسمه فرحات عمر، كذلك كان فؤاد المهندس يقدم ادوار كثيرة منوعة إلى أن كتب له عبدالمنعم مدبولي شخصية محمود التي قدمها مع الفنانة خيرية أحمد.. كان البرنامج يسجل في الإذاعة القديمة بشارع علوي أو الشريفين، بحضور جمهور كبير في الاستديو، وكان السيد محمد أمين حماد مدير الإذاعة في هذه الفترة متحمسا للبرنامج. فكان يتتبع سيره، كما كان يحضر تسجيل البرنامج في الاستديو، كان البرنامج يذاع يوم الجمعة بعد الصلاة، وكانت الجماهير تكتظ أمام أكشاك السجاير والمحلات التي بها راديوهات لتتبع البرنامج، حتى أصبح لأفراد البرنامج شعبية واسعة وبدأوا يشتركون في الحفلات العامة، فلا تكاد أي حفلة تخلو من فقرة لأحد أفراد البرنامج، وفي اعتقادي أن ظهور ساعة لقلبك وانتشارها الرهيب كان الأمر المباشر لاختفاء فن المونولوج.
لم أكن أعرف أي فرد ممن كانوا يشاركون في البرنامج، وكان نشاطي في ذلك الحين لا يتعدي نطاق الجامعة وتنظيم الحفلات المسرحية، إلى أن التقيت بلطفي عبدالحميد وكان يقوم بدور فتلة وهو بدين جد، فالصورة غير مكتملة في الإذاعة.. المهم تعرفت عليه وهو لا يزال طالبا في كلية الزراعة وهو الذي عرفني على يوسف عوف، الذي قال لي أنهم يريدون أن يقدموا برنامج ساعة لقلبك على نطاق أوسع، فلا بد من استثمار &هذا النجاح مسرحيا، ففرحت جدا وكنت أتصور أنهم يريدون أن يقدموا مسرحيات متكاملة. لكن أصابني الاحباط حينما علمت أن ما سيقدمونه على المسرح هو نفس الاسكتشات التي تقدم في الإذاعة.. لكني وجدتها فرصة للخروج من نطاق الجامعة.


ساعة لقلبك
أصبحت سكرتيرا لفرقة ساعة لقلبك وكان أول عمل لي بالفرقة الاتفاق مع متعهد أحضرته السيدة رفيعة الشال يعمل لأول مرة ويريد أن يقدم موسما لمدة 11 يوم بمصيف رأس البر، وعلمت من السيدة رفيعة الشال أنه طيار أحيل للتعاقد، يدعي فريد إسماعيل.. التقيت بالرجل وعرضت عليه طلباتي وقد حرصت أن أبالغ فيها نوعا ما.. حتى إذا فاصلني كعادة أي متعهد أن أصل إلى أجر معقول.. فؤجئت بالرجل يقبل كل الشروط المبالغ فيها.. فقد كان العقد ينص على أن تتقاضي الفرقة 70% من الإيراد بحد أدني 80 جنيها في الليلة على أن يتحمل كافة المصاريف من إيجار المسرح للدعاية لإقامة الفرقة إقامة كاملة في أوتيل مارين فؤاد، وهو أحد أحسن الأوتيلات في رأس البر.. كذلك يدفع أجر الإنتقالات، لم أصدق أن يوافق متعهد على إمضاء عقد بكل هذه الشروط.. علاوة على هذا فإن الفرقة هي التي تشرف على الشباك دون تدخل من المتعهد.. سافرت إلى رأس &البر قبل الفرقة بمدة كافية واصطحبت معي خطاط لعمل الأفيشات والإعلانات اللازمة للدعاية اسمه عبدالمنعم شطا.. ولما كانت رأس البر في ذلك الوقت كلها عشش من البوص وهذا هو الذي كان يميز رأي البر عن غيرها من المصايف فكان يتعذر تثبيت إعلانات على هذه العشش، فاستعنا بميكرفون يوضع في عربة تمر في شوارع رأس البر وبها مذيع يعلن عن قدوم الفرقة وابطالها وأنها ستعرض على مسرح سينما رويال.

فتحنا شباك الحجر فكانت النتيجة طيبة ومباشرة.. وكان المفروض أن يستأجر المتعهد أوتوبيس ليقل أفراد الفرقة تصل في عربات أجرة.. كل ثلاثة أو أربعة في عربة وهذا مكلف جداً.. مكلف أكثر كثيراً من استئجار اتوبيس.. سألت المتعهد لماذا كل هذه التكاليف، فقال أن هذا يجعل مستوي للفرقة وطلب مني أن أدفع أجر هذه العربات، من حسابه حيث أن مبيعات الحجز تخطت المبلغ المتفق عليه.. فلم استطع الرفض ودفعت المبلغ لكل عربة جنيهان ونصف.. انتقلت الفرقة إلى الأوتيل، فإذا بالحجرات محجوزة حسب الإتفاق.
وجاءت ليلة العرض الأولى فنجحت نجاحا كبيرًا.. فهذه هي المرة الأولى التي ظهر بها جميع أفراد البرنامج أمام الجمهور.

المتعهد يتنصل
لم يمض سوى 3 أيام إلا ووجدت مدير الأوتيل يطلب مني تسديد فواتير الإقامة والأكل للأوتيل، دهشت وأبلغته أن هذه المبالغ سيدفعها المتعهد فقال لي إن المتعهد أبلغه أن إدارة الفرقة هي التي ستدفع.. ولما واجهت المتعهد بذلك طلب مني أن أدفع من حساب نسبته كذلك طالبني صاحب المسرح إيجار المسرح وكذلك المسؤول عن الدعاية.. من أين لي أن أدفع هذه المبالغ وهي مبالغ تفوق نسبته بمراحل كثيرة!
في اليوم الرابع بعد العرض اتجهنا إلى الأوتيل ففوجئنا بإدارة الفندق تمنعنا من دخول غرفنا.. بل أن الفندق أخرج جميع لوازمنا من الغرف وتحفظ عليها إلى أن ندفع.
لم نستطع أن نفعل شيئا واستأجرنا مركبا وذهبنا إلى منطقة الجربي حيث أمضينا الليلة في المركب، والجربي شبه جزيرة في النيل امام رأس البر.. وكان بها عدد من الغرز لتدخين الحشيش، ظللت طوال الليل في حالة من اليأس لا نعرف كيف سنواجه هذا الموقف الصعب.

أيام صعبة
وبينما نحن في الجربي والبعض نائم في المركب والبعض الآخر مستلق على الشط، إذ بنا نجد شخصا في أواخر الثلاثينات من العمر طويلا عريضا وإذ به يمر على الموجودين يسألهم عن خاله.. ظل يسأل كل واحد منا: محدش شاف خالي؟.. وهذه الشخصية الغريبة نسيتنا مشاكلنا.. وظللنا نضحك على تصرفات هذا الشخص حتى علما أن اسمه يحيي سليط، وأن والده كان عمدة السنبلاوين وأنه لا يعمل شيئا ويعيش دون أن يحمل هما لأي شي، لقد وجدنا أمامنا زورا اليوناني، فهذا هو زوربا المصري، شخصية بوهيمية.. بالرغم من أن عائلته من العائلات الكبيرة، وعلمنا أنه لم يستمر في أي عمل سوي أسابيع قليلة وأخبرنا آخر عمل عمل به كان في شركة سعيدة للطيران، وهي شركة أنشئت في أواخر عهد الملكية فكان عمله يعطي الإشارة للطائرات كي تنزل إلى المطار، كانت الشركة تملك طائرتين، كانت طايرة منهم في المطار والآخري قادمة من رحلة، فاعطاها يحيي إشارة النزول، نزلت الطائرة وارتطمت بالطائرة الآخري فاحترقت الطائرتين وأفلست شركة سعيدة، ومن ساعتها ويحيي يسأل كل من يقابله قائلا: محدش شاف خالي، المهم أن يحيي منذ هذه الليلة ظل ملازما للفرقة بالرغم من إني في البداية كنت كارها ذلك.. فهو شخصية هجومية، لسانه زلف، لكن بمرور الوقت تعود عليه ورأيت فيه شخصا مخلصا، طيب القلب جدا، كريم جدا.. بالرغم من غلطاته التي قد تضعك أمام مواقف صعبة، إلى أن صارت بيننا صداقة وظل ملازمني إلى أن مات.


في الصباح ذهبت إلى مبنى المحافظة لتقديم شكوى في هذا المتعهد وهناك علمت أنه ارتبط مع المحافظ على إحضار الفرقة على أن تعطيه المحافظة ثلاثين جنيها يوميا لتشجيع السياحة.. فاستنتجت أنه احضر الفرقة دون أن يدفع مليما واحد، حتى يتقاضي 330 جنيها في نهاية المدة وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الحين، شرحنا موقفنا في المحافظة وتعاطف معنا المحافظ السيد محمود طلعت، وظللنا متفرغين لحل هذه المشكلة وإثبات أحقيتنا في هذا المبلغ، حتى نتكمن من سداد الالتزامات التي تراكمت علينا.. حتى إن إيراد المسرح قل جدا نتيجة إهمالنا له.
كان جزء كبير من عائلتي يستأجر عشش في رأس البر، وحاولوا بشتى الطرق أن أٌقيم معهم، وبلاش بهدلة.. ولكني كنت متضامنا مع زملائي ولا أستطيع تركهم، غضبت العائلة مني وقاطعتني ولكن أمي كانت ترسل لي كل يومين 10جنيهات دون أن يعلم أحد.. وكانت هذه الجنيهات هي التي تصرف على الفرقة بأكملها.
في النهاية جاء قرار مجلس المحافظة في صالحنا وصرفنا الإعانة واستطعنا أن نفي بالإلتزامات التي تراكمت علينا، وبمجرد الانتهاء من اخر حفل غادر اغلب أفراد الفرقة رأس البر بعد المعاناة التي لاقينها على مدار 12 يوما.
كان العيد الكبير سيحلّ بعد يومين من انتهاء عمل الفرقة، وكنت أنا ويوسف عوف ولطفي عبد الحميد (فتلة) قد استرحنا بعد سداد الديون وبدأنا نفكر تفكيرا هادئا، لماذا لا نستغل أيام العيد وهي موسم مضمون في العمل في رأس البر حتى نعوض الخسارة التي لحقت بنا، اختمرت الفكرة في اذهاننا وفاتحنا صاحب المسرح في أننا نريد العمل في العيد، ولكنه اعتذر لأنه مرتبط في العيد بعرض فيلم جديد.. ولكنه اقترح علينا اقتراحا ذلك أن السينما تقع على شارع النيل وأمامها على شاطئ النيل مقهي تابع للسينما، فعرض علينا أن نقيم عليها على سرداق نقدم عليه الحفلات.
اختمرت الفكرة في رؤسنا وقررنا تنفيذها واتفقنا مع متعهد فراشة &لإقامة السرداق بمواصفات معينة على أن يكون به منصة كبيرة حتى نقدم العروض فوقها، اعددنا كل شئ ولم يتبق إلا أفراد الفرقة الذين اتجهوا للقاهرة بمجرد انتهاء العرض.


يوم العيد صباحا سافرت إلى القاهرة مع فتلة لإقناع الفرقة بالعودة، فذهبنا إلى أبو لمعة الذي كان رافضا تماما للفكرة واستطعنا إقناعه، ثم ذهبنا لأمين الهنيدي الذي قال يا اخوانا أنا مدرس محترم ولا يمكن أتبهدل أكثر من كده من أجل الهواية، وكان أمين مع أبو لمعة يعملان بالتدريس في السودان، ولا يحضران الا في الأجازة الصيفية وأجازة نصف السنة، ومررنا على بقية أفراد الفرقة من ممثلين ومطربين، وكنا نسنعين براقصة فلم نجد إلا راقصة حاملة في شهرها الخامس فاصطحبناها معنا.

وصلنا إلى رأس البر في حوالي السادسة مساء وكان السرادق قد أعد وكان شكله ملفتا للنظر فجميع الفنادق ودور العرض على الجانب الأيمن وهو وحده القائم على الجانب الأيسر فكان شكله مميزًا وكان أغلب المصطافين في رأس البر يتنزهون في المساء في شارع اليل، فلم نكن نحتاج لدعاية كبيرة، وكان شباك التذاكر عبارة عن مائدة صغيرة، وضعت امام السرادق ولم نكن نستعين بعاملة شباك بل كنت أتناول أنا ومنير فتح الله شقيق الفصيح ممدوح فتح الله لنبيع التذاكر، المقاعد كانت بدون نمر فكان من يحضر مبكرا يجلس في المقاعد الأمامية.
كان البرنامج يشمل مقدمة موسيقيو من الفرقة التي كان يتولاها صلاح عرام ثم عدد من الاستكشات لأبطال الفرقة، يخلل هذه الاسكتشات فقرة غنائية كان يقدمها بليغ حمدي ولم يكن اتجه للتلحين بعد، وإحدى المغنيات غير المعروفات، والراقصة الحامل.

&

&

اللقاء الأول بين عبد الوهاب وبليغ حمدي
لاقت العروض اقبالاً هائلًا بالرغم من بدايتها فلم تكن هناك إضاءة بالمعنى المفهوم في المسرح حالياً، وليس هناك ديكور فخم ولا ملابس مبهرة. ومع ذلك تجاوب الجمهور كان كبيراً حتى أن عددا كبير كان يضطر للوقوف لعدم وجود كراسي، وفي إحدى الليالي فوجئنا بالموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب ومعه الصحفي اللامع جدا محمد التابعي يحضران في بداية العرض ولم يكن هناك أماكن لهم فاضطررنا لأن نضع كرسيين أمام الصف الأول.
وأبديا إعجابهما بأفراد الفرقة وكانت هذه المرة الأولى التي يلتقي فيها الموسيقار عبد الوهاب ببليغ حمدي وفي نهاية العرض دعاني الاستاذ التابعي للغداء في عشته في اليوم التالي، وحضر الغداء الاستاذ عبدالوهاب الذي نصح بأن نهتم بإخراج العرض بشكل جميل، حتى لا تتبدد هذه الطاقات.. واعترض بشدة على الراقصة.
كان نجاح موسم رأس البر أكبر مشجع لنا على أن نستمر فقررنا أن نقيم موسما في مدينة الأسكندرية، ذهبت إلى الإسكندرية لاستئجار المسرح القومي وكانت تعمل عليه فرقة إسماعيل ياسين وكان موسمها ينتهي في 31 أغسطس، فاستأجرت المسرح لمدة4 أيام من 1 سبتمبر وحتي 4 سبتمبر، وتصادف أن يكون أول سبتمبر يوم خميس، طلب مني المعلم سعيد الجيار (صاحب المسرح) مبلغ 100 جنيه في الأربعة أيام، ولكن طلبت منه تخفيض المبلغ فوافق على أن يأخذ مبلغ 90 جنيه، على وعد أنه لو حققنا نجاحا نعطيه العشرة جنيهات.
ذهبنا إلى الاسكندرية وحاولنا العمل بنصيحة الأستاذ عبدالوهاب فاستعنا بالراقصة زينات علوي، والمطربة فايدة كامل.. وحاولنا أن نستأجر مناظر أحسن من التي استعنا بها في موسم رأس البر، ما أن فتحنا باب الحجز حتى تهافت الجمهور على شباك التذاكر فقد كان برنامج ساعة لقلبك في نجاح مستمر ونجومه زادت شعبيتهم.
لما كانت جميع الحفلات كاملة العدد فقد أصررت على تنفيذ ما وعدت به المعلم سعيد الجيار فذهبت إلى المعلم ومعي 10 جنيهات وأعطيتها له فتساءل الرجل، ما هذه العشرة جنيهات.. فقلت: لقد نجحت الحفلات فلا بد من دفع هذه الجنيهات العشرة فضحك وقال إنت صدقت ده كلام سوق.. ولكنه أخذ العشرة جنيهات.

الأزبكية
حينما عدنا إلى القاهرة بعد هذا النجاح وجدنا صعوبة في العمل في القاهرة، فالقاهرة كبيرة وتحتاج إلى إمكانيات ودعاية ضخمةمن جهة، ومن جهة آخرى لاتوجد مسارح نستطيع استئجارها. ولم يكن أمامنا إلا أن نستأجر مسرح الأزبكية في حفلات ماتينيه، وفعلا قمنا باستئجار المسرح لمدة ثلاثة أيام، واخترت بعض الاستكشات واستعنا بالاستاذ احمد حلمي ليخرج العرض بشكلٍ لائق بناء على توصية الموسيقار محمد عبدالوهاب، بحيث تكون الاستكشات مربوطة بعضها ببعض عن طريق موضوع كتبه يوسف عوف مع تغيير الديكورات في كل اسكتش. حاولنا إقناع فؤاد المهندس بتقديم اسكتش محمود هو وخيرية أحمد أحد الفقرات الناجحة جداً في برنامج ساعة لقلبك، فرفض رفضاً تاماً مع العلم أن الاسكتش تم تقديمه في الإذاعة فقط)، فهو مصر ألا يظهر على المسرح إلا من خلال فرقة مسرحية، وفعلا حاول الانضمام لفرقة المسرح الحر التي كانت في هذا الوقت هي وليدة تضم خريجي معهد التمثيل وكانت تضم: عبدالحفيظ التطاوي وسعد أردش، وزكريا سليمان، وأنور محمد، ومحمد سعيد عرفة وغيرهم من خريجي المعهد.. ولكن طلب فؤاد المهندس قوبل بالرفض حيث أنه لم يكن من خريجي معهد، لم نستطع أن نعلن عن العرض سوى في بضعة أسطر في صفحة الاجتماعيات.. كان عدد التذاكر المباعة قليلا ولم نستطع تغطية التكاليف فاضطررنا أن يشتري كل عضو عددا من التذاكر لتغطية المصاريف، وبالطبع لم يكن هذا حلا.&

عودة لفؤاد المهندس..
مرة واحدة فقط لا غير وافق فؤاد المهندس على تقديم اسكتش محمود في أحد الأفراح ولا أتذكر صاحب الفرح ولكن كان من بين الحضور الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس ولعل وجود إحسان كان هو الدافع الأوحد لقبول المهندس لأداء اسكتش "محمود إيه ده يا محمود مع خيرية أحمد". ولكنه اشترط وجود ملقن مثل العرض المسرحي وقد قمت أنا بدور الملقن وقد أديت هذا الدور بغير إتقان على الإطلاق.
كررنا هذه التجربة عدة مرات وفي كل مرة كان الإيراد أسوأ من سابقتها، وكان أغلب أعضاء الفرقة مشغول بالحفلات العامة إذ لايكاد يخل أي حفل من نمرة أفراد ساعة لقلبك، حتى أن في أيام عيد الثورة في 23 يوليو والأيام القليلة التي قبلها والتي بعدها تقيم جميع الشركات حفلات في هذه المناسبة، فكان كل فرد في الفرقة يقدم أكثر من حفلة في أكثر من مكان.. فكان مثلا أبو لمعة يشترك في حفل في بنها، ثم يقدم حفلا أخر في طنطا ويعود إلى القاهرة ليشترك في حفل أو اثنين، وما ينطبق على أبو لمعة ينطبق على غيره وأعتقد ان هذه الاسكتشات السريعة قد قضت على فن المونولوج الذي كان سائدا قبل ظهور "ساعة لقلبك".

&

&

كاريوكا
في الصيف التالي ارتبطنا بالعمل في رأس البر ولكن في هذه المرة كان العمل لحساب فرقة دون متعهد.. واتفقت مع السيدة تحية كاريوكا وكانت أبرز نجوم الاستعراض علاوة على أنها نجمة سينمائية كبيرة.. وفي أول أيام العرض فوجئنا بعدم حضور السيدة تحية رغم نفاذ جميع التذاكر ومع ذلك اضطررنا لإلغاء الحفل.. وسافرت إلى القاهرة فوجدتها في حالة ثورة.. إنتو عايزين تشغلوني في الملاهي؟.. أي ملاهي.. نحن نعمل في مسرح سينما رويال.. فقالت: المعلم صديق قال كده.. والمعلم صديق هذا كان أكبر متعهد حفلات في هذه الفترة.. وكان يعمل مع عبدالوهاب وأم كلثوم لكن تحية كاريوكا بالذات كان يحبها حبا حقيقا، وكان لا يريدها أن تشتغل مع أحد سواه، المهم تفهمت الموقف وأن المعلم صديق قد دبر لنا هذا الموقف وسافرت معي إلى رأس البر وأكملت الحفلات.&
المزيد في الحلقة المقبلة
&