إيلاف من بيروت: الموسيقى صوت الكون عندما يئن بصخب ساكنيه، والموسيقى المبدعة وحدها تقدم لك الحزن بقالب من الجمال، والشوق في إناء من البهجة، وعندما تكون وحيداً تتسلل إلى مساماتك فتوقظ فيك وعيك ومشاعرك وتنقلك إلى عوالم جديدة بخفة وكأنك محمولاً على السحاب.&
هكذا كانت موسيقى “ألف ليلة وليلة: الفصل الآخير" ، حصرية ومنفردة، تعلن انطلاق احتفالات الشارقة عاصمة عالمية للكتاب لعام 2019.&
ما أن دخل أعضاء الأوركسترا ساحة مسرح المجاز واتخذوا مقاعدهم، حتى خيمت على المكان هالة من الرقي والوقار. عازفون على آلات مختلفة من بلدان مختلفة، يتحركون بتناسق وتناغم يبوح بحرفيتهم العالية، وثقتهم اللامحدودة، ويعدون بليلة غير متوقعة.&
المايسترو اللبناني الأرمني الأصل هاروت فازليان، قائد فرقة الفنانة اللبنانية العالمية فيروز، وقائد الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية، يقف أمام فرقته بهيبة مدهشة، يحرك عصاه القصيرة وكأنه قائد يلقي بياناً يعلن فيه انتصاره، إنه يحتفي بشارقة العلم والنور، شارقة العز والمعرفة.. شارقة سلطان التي أبت برؤيته إلا أن تكون علامة فارقة في تاريخ وحاضر ومستقبل الوطن العربي والعالم، ومركز إشعاع معرفي، يهدي المحتجزين في ظلام هذه المرحلة نحو الضياء.&
بالموسيقى ننتصر للحياة، هكذا قالت أدوات الموسيقى في أيدي العازفين وهي تهم باحتضان الأوتار لتشدو فرحاً وأملاً فيتجسد اللحن خيالات مضيئة ترقص على حلبة الليل.&
في بداية العرض، تنساب موسيقى هادئة بعيدة كأنها قادمة من عصور ما قبل السرعة والضجيج، تربت على كتفيك بحنو، وتمسح عن جبهتك عناء اليوم كأنها يد طفل، أو كأنها حمام من الغمام الدافىء، لا يلبث أن ينهمر مطراً فيستدعي فيك العطش لحكاية شهرزاد الأخيرة عن حكمة المعرفة، وسر الحياة.&
ومع تصاعد إيقاع الحركة على خشبة المسرح، تتدخل الموسيقى بذكاء بين الجمهور والمشهد لتبعث الحياة في الحكاية، وتعطي للكلمة إيقاعاً وللكلمة لحناً. في لحظة الترقب يرقص قلبك وجلاً مع الإيقاع، وفي لحظة الكشف، تنفجر أنغام الدهشة في الشرايين وكأنها تطلق مصلاً سحرياً فتتوهج الروح تحت خيمة من عتمة الليل.
موسيقى هؤلاء، كانت حكاية بحد ذاتها، حكاية أفراد رائعين، يتوارون في الظل ويطلقون أنغامهم ضياءً فيبددون مساحات الظلمة في وجداننا وتشرّعه نافذةً واسعةً على حكمة النص.&
طوال مدة العرض، كان أعضاء الفرقة الموسيقية حاضرين بعظمة وبهاء، لم تغيبهم حركة المؤدين أو المؤثرات البصرية شديدة الدقة... ولم يطغى عليهم سحر الحكاية... لم يخذلوا دهشة المستمعين ولو للحظة... رافقوهم طوال الحكاية ليبقوا على مشاعرهم متيقظة ومستفزة....لم يغادروا قلوب الجمهور....حتى بعد أن خفتت الأضواء وتعالت أصوات الخطوات والهمهمات المغادرة لمسرح المجاز، بقيت موسيقى هؤلاء المبدعين تستوطن وجداننا كأنها حلم جميل بلا نهاية .&
&