تونس: تطرق مسلسل "المايسترو" الذي عُرِضَ في تونس&خلال شهر رمضان إلى واقعٍ مرير قلما يتم تناوله في الدراما. حيث عالج يوميات الأطفال الجانحين داخل السجن الإصلاحي، بأسلوب&فريد يراهن على الفن كبديل من السجن بصورته القاتمة.
ورغم أن موضوعه أثار حفيظة البعض، لقي هذا العمل الدرامي الذي بثه التلفزيون الحكومي "الوطنية 1" استحسان معظم النقاد وحصد متابعة واسعة. علماً أنه رصد&عبر عشرين حلقة، يوميات فتيان وفتيات جانحين داخل "سجن إصلاحي" يتحول الى عالم حيوي يسوده التفاؤل بفضل وجود أستاذ الموسيقى "حاتم".

وتحدث المخرج التونسي لسعد الوسلاتي عن هذا العمل الذي يُعتبَر أولى أعماله الدرامية التلفزيونية قائلاً: "هناك أسئلة حارقة وموجعة ظلت تؤرقني لسنوات: لماذا يتم تهميش الطفولة؟ ويُزج بهؤلاء القصر في السجن كمجرمين، بدلاً من تركهم يلعبون ويحلمون؟"
وأكد "الوسلاتي" على "قوة الفن وسرعته في إحداث التغيير" في رده على سؤال حوا اختياره للموسيقى كوسيلة فنية بدل "الأساليب الردعية" لتأهيل هذه الفئة الهشة من الأطفال. وأضاف في حديثه&لوكالة فرانس برس : "اخترت أطفالاً من الشوارع ليتحدثوا بلغتهم عن معاناتهم، كي أنقل&جزءاً كبيراً من واقع مسكوت عنه، قد يكون صادما ومقلقا ومستفزا" في تونس ما بعد ثورة 2011."

يُذكر أنه&في تونس هناك خمسة "مراكز إصلاح" تضم 274 طفلاً من الجنسين، تراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، على ما قال الناطق الرسمي لإدارة الإصلاح والسجون سفيان مزغيش.
وسبق أن نبّهت منظمات حقوقية في تونس إلى أن "السجون والمؤسسات العقابية أو الإصلاحيات لا تعتمد المعايير الدولية وتفتقر الى آليات التأهيل والتأطير وتصنيف المساجين"، ما أدّى الى انخراط بعض الأطفال الموجودين فيها "في تعاطي المخدرات والاستقطاب والتطرف" والى ارتفاع مستوى العنف.

"بين مطرقة السلطة وسندان المجتمع"
وفيما يتناول سيناريو العمل الدرامي واقع الأطفال داخل السجن الإصلاحي الذي يغلب عليه العنف، ويطرأ عليه تغييراً جذرياً بمجرد اتخاذ القرار بإنشاء ناد للموسيقى فيه. يشرح "الوسلاتي" أنه حاول أن يكون صوتهم&كي لا يتحولوا إلى مجرد أرقام، في حين أن لكل منهم حكاية مدفوعة بعوامل خارجة عن إرادتهم".&يقول "الوسلاتي": "إنني أدقّ ناقوس الخطر حول مآل السجناء القصر المنحصر بين مطرقة السلطة الزجرية وسندان نظرة المجتمع الإقصائية بهدف فتح نقاش واسع من أجل مستقبل أفضل لجيل الغد".

والجدير ذكره أن المسلسل مستوحى من تجربة شخصية للفنان الموسيقي التونسي رياض الفهري قبل 26 عاماً داخل سجن إصلاحي في تونس.حيث أنه&تنقل&بين مراكز إصلاح وتأهيل في تونس وعلّم خلالها أطفالا الموسيقى. وقدّم في شهر ديسمبر من العام 1993 عرضاً فنياً ضخماً في تونس بمشاركة أطفال الإصلاحيات، ما أفضى إلى فوز تونس بالجائزة العالمية لحقوق الطفل.

وتُشكل شخصية "حاتم" التي يجسدها الممثل التونسي أحمد الحفيان، محوراً تدور حوله باقي الشخصيات، ومن خلاله يكشف المخرج قصصاً مؤلمة لفتيان وفتيات رمت بهم ظروف اجتماعية وعائلية قاسية الى عالم الجريمة والسرقة والمخدرات والجنس والهجرة غير القانونية بالرغم من حداثة سنهم.

وتتخلل المسلسل مشاهد صادمة وعنيفة داخل المؤسسة العقابية حيث تدور غالبية أحداث العمل، ويبرز فيها المخرج ما يتعرّض له الأطفال من سوء معاملة تصل الى حد العزل والحرمان من النوم وزيارة الأهل ومحاولات الاغتصاب من جانب حراس.

كذلك، يبدو السجن الإصلاحي فضاء ملائماً للاستقطاب الديني المتشدد، إذ يتطرق إلى محاولات استدراج متكررة للأطفال وإقناعهم من جانب أحد المسجونين معهم بالتخلي عن نادي الموسيقى والإلتزام بالأفكار المتشددة دينياً. علماً أنه بعد ثماني سنوات من ثورة 2011، لا يزال التونسيون يواجهون مشاكل البطالة والفقر وغلاء المعيشة التي تجعل حياتهم اليومية أكثر صعوبةً يوما بعد يوم مع تنامي ظواهر سلبية في المجتمع كالعنف والانتحار. حيث جاء في تقرير للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية الخاص في نوفمبر 2018 أن "تونس تحتل المرتبة العاشرة عربياً في مؤشر الجريمة&2017 وأن 73 % من المتهمين تراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما".

"الفن طوق نجاة"
ويسعى العمل الدرامي الى كشف "فشل" النظام في البلاد في إصلاح وتأهيل هذه الفئة الهشة من المجتمع. ففي أحد المشاهد يعترف مدير السجن الذي يجسد دوره الفنان التونسي فتحي الهداوي، بالقول "كلنا أبناء نظام فاسد لا يريد التغيير. درّسونا القوانين ولم يعلمونا كيفية ولوج قلوب الأطفال. ما أنجزه أستاذ الموسيقى في شهر لم أتكمن من إنجازه طيلة ثلاثين عاما من العمل".

وتلعب الإضاءة وطريقة التصوير دوراً مهما في الفصل بين علاقة السجان بالأطفال من جهة وعلاقتهم مع أستاذ الموسيقى.&فقد غلبت الإضاءة الساطعة على المشاهد التي صُوِّرَت داخل نادي الموسيقى في السجن، فكشفت تفاصيل الديكور الدقيقة وتقاسيم وجوه الشخصيات، بينما طغى &الظلام على باقي المشاهد التي يظهر فيها الأطفال مع السجانين. &

ويوضح مدير إدارة الإنتاج بالتلفزة الوطنية التونسية إيهاب الشاوش لوكالة فرانس برس، قائلاً:&"اختير هذا العمل الدرامي خلال رمضان 2019 لأنه يعالج مشاكل اجتماعية راهنة ويتماشى وأهداف المرفق العمومي، مرآة المجتمع" في تونس التي تشهد مخاضاً.
الملفت أنه أُنتج أكثر من مسلسل تونسي بمناسبة شهر رمضان هذه السنة، وتبلغ كلفة الواحد منها كمعدل وسطي، بحسب الشاوش، "مليون دينار تونسي" (360 ألف دولار).

انتقاد
من جهته الناطق الرسمي باسم السجون والإصلاح، انتقد&جوانب من المسلسل، معتبرا أنه "جانب الحقيقة" في تناوله لبعض المواضيع.&وأضاف "نحن لا نستعمل العنف ولا العصي للضرب، ولا نلجأ للعقوبات الشديدة كالعزل التي أظهرها المسلسل".
أما الناقد السينمائي خميس الخياطي، فرأى أن&المسلسل كان بمثابة دعوة "لإرجاع الشباب الى السلوك المستقيم من خلال الفن"، مضيفا لوكالة فرانس برس "يمكن أن يشكل الفن طوق نجاة في مواجهة من يدعي بأن الفن حرام".

&