بدك عروس صغيرة؟
Getty Images
صور أرشيفية تناهض زواج القاصرات

للانتماء الطائفي في لبنان تداعيات كبيرة على حياة فتيات ونساء البلد، وخاصة في مواضيع مصيرية مثل سن الزواج.

لنقترض أن هناك فتاة لبنانية، عمرها أربعة عشر عاما، اسمها رانيا.

إن كون رانيا سنية أو شيعية أو درزية أو أورثوذكسية أو كاثوليكية أو غير ذلك من الانتماءات الطائفية، ليس مسألة إيمانية فقط في لبنان، بل إن الطائفة التي تنتمي لها تحدد العمر الذي يسمح لها فيه بالزواج.

تسمح كثير من الطوائُف الدينية بتزويج رانيا زواجا قانونيا في عمر 14، أو حتى أقل من ذلك. إن كانت رانيا سنية أو شيعية فبإمكانها الزواج حتى وهي في عمر التاسعة نظريا.

ففي لبنان تختلف قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق والحضانة والإرث بحسب طائفة كل شخص، ولا تخضع هذه الأمور الهامة لقانون مدني.

ورغم أن قوانين الطوائف قد تنص على أن يكون سن زواج الفتيات أعلى من 14 عاما، إلا أن لرجال الدين سلطة منح استثناءات تجعل زواج رانيا ممكنا.

بمعنى آخر، إن معظم قوانين الأحوال الشخصية في لبنان تسمح بتزويح الطفلات، على اعتبار أن اتفاقية حقوق الطفل تُعرّف الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز سن الثامنة عشر.

لذا هناك حملات مكثفة في لبنان للمطالبة بقانون مدني موحدّ يجعل الحدّ الأدنى لسن الزواج 18 عاما.

وأطلقت عدة جمعيات نسوية حملات في شوارع المدينة ووسائل الإعلام تدعو لتبني هكذا قانون.

ومن بين تلك الجمعيات، جمعية "كفى" التي أطلقت على حملتها عنوان "لبنان بلا شخصية"، بمعنى أن لبنان ليس قويا بما يكفي في موضوع حقوق المرأة، وأن "الدولة تخلت عن صلاحيات إدارة الأحوال الشخصية لصالح الطوائف".

لكن مهمة تغيير هذه القوانين الدينية السائدة لا تبدو سهلة ابدا.

سلطة الدين

تقول حياة مرشاد، عضو التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني، إن رجال الدين من مختلف الطوائف يضغطون على السياسيين لمنع مرور قانون زواج مدني.

ورغم أن رجال الدين غير ممثلين في البرلمان، إلا أن التركيبة الطائفية للنظام اللبناني تجعل العلاقة بين المرجعيات الدينية والمرجعيات السياسية لصيقة.

وتضيف مرشاد: "برأيي المشكلة هي مشكلة صلاحيات. هل ستقبل المرجعيات الدينية أن تكون صلاحية البتّ بقضايا الزواج بيد قاض مدني؟ هل سيقبلون بالتخلي عن هذه السلطة؟".

وعند سؤال رجال دين لبنانيين عن موضوع سن زواج الفتيات، قال معظم من تواصلت معهم بي بي سي إنهم من حيث المبدأ لا يحبذون الزواج المبكر ويُخضعون الاستثناءات لشروط معيّنة. ومن ضمن هذه الشروط تقييم قدرة الفتاة على تحمل الزواج، وأحيانا أهليتها الصحية.

لكنهم في الوقت ذاته أبدوا تحفظا على أن يتحول الزواج لمسألة تخضع لقانون مدني، وكان لكل أسبابه.

فقد اعتبر الشيخ الشيعي صادق النابلسي، أن المسلمين الشيعة ليسوا مع الزواج المدني الموجود في الغرب، "ولكن في حال وُجد قانون يتوافق مع الشريعة من حيث المهر والإنصاف بين الزوجات والطلاق وتعدد الزوجات، لا مانع لدينا".

أما أستاذ الدراسات الإسلامية، الدكتور وفيق حجازي، فأشار إلى أن الإسلام السني لا يشترط أن يكون الذي يجري الزواج رجل دين، لذلك ليس من مانع من جعل المسألة مدنية، ولكنه تابع: "ولكن طالما أن لبنان بلد طوائف ولكل طائُفة دستور شرعي، ومصادر تشريع تنظم شؤون الطائفة، لا يمكن الخروج عن هذه الثوابت الدينية".

أما المسيحيون، فوضعهم خاص إذ أن الكنيسة تعتبر الزواج سرّا كنسيا مقدسا - أي أن الزواج موضوع مقدس وليس موضوعا دنيويا - وبالتالي ليس مجرد عقد.

ويشير الأب عبدو كسم، رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام، إنه في حال "إقرار الدولة لقانون الزواج المدني فإن على الكنيسة أن تحافظ على طبيعة السر وبالتالي يتم الزواج في الكنيسة ولدى القاضي المدني".

الزواج المبكر والعنف

تسلط الجمعيات الحقوقية النسائية الضوء على الانعكاسات السلبية لتزويج الفتيات قبل سن الثامنة عشر على الصعيدين الشخصي والمجتمعي.

إحدى الجمعيات الناشطة في المجال، وهي الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، اختارت أن يكون شعار حملة التوعية:" بكّير عليها"، أي لا يزال من المبكّر الزواج بالنسبة لها.

وتقول مديرة الهيئة، كلودين عون روكز: " قبل سن الثامنة عشر، يعتبر أنه من المبكر أن تقود فتاة سيارة أو أن توقّع على أي وثيقة رسمية، وبالتالي فإنه من المبكر عليها أن تتزوج وأن تنجب أطفالا وتهتم بتربيهم وأن تكون مسؤولة عن قراراتها وخياراتها".

وتؤكد الجمعيات أن زواج القاصرات يعرض حياتهن للخطر في حالات الحمل المبكر، والعزلة الاجتماعية، والتوقف عن الدراسة، والحدّ من فرصهن في التقدم الوظيفي والمهني، وزيادة تعرضهن للعنف المنزلي، وغيرها من المخاطر.

لذا دمجت عدد من الجمعيات مشاريع قوانين مختلفة متعلقة جميعها بتحديد سن الزواج ضمن مشروع قانون واحد، يحدّد سن الزواج بالثامنة عشر ويسمح بخفض السن إلى السادسة عشر وفق استثناءات مشروطة ومضبوطة.

لكن مشروع القانون هذا لا يزل في المراحل الاولى من الدراسة أمام البرلمان.

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونسف قد أصدرت تقريرا عام ٢٠١٦ قالت فيه إن 6% من اللبنانيات اللاتي كانت تتراوح أعمارهن أثناء إعداد التقرير ما بين 20 و24 سنة كنّ قد تزوجن قبل بلوغهنّ سن الـ 18.

إلا أن استطلاعا للرأي أجراه قبل أسابيع تجمع النساء اللبنانيات الديموقراطيات بالتشارك مع هيئة الامم المتحدة للمرأة، أظهر أن 85% ممن شملهم الإحصاء لا يعتبرون أن بلوغ الفتاة جسديا يجعلها جاهزة للزواج.

وبالرغم من أن المنظمات المعنية بشأن المرأة تعتبر تلك االنسبة إيجابية، إلا أنه في الوضع الحالي، وما لم تتغير القوانين، لا تزال رانيا مشروع عروس في أية لحظة.