يتذمر محبو كارل ماركس من رسوم تفرض مقابل زيارة ضريحه الكائن في شمال لندن، ويأسفون لكون الرجل الذي كرّس حياته لمحاربة الرأسمالية، بات مدفنه مصدرًا لجني أرباح، في حين أن آخرين لا يرون في الأمر تناقضًا بل تطبيق لمبدأ إعادة التوزيع الذي دعا إليه ماركس لكون ما يُجمع من رسم يعود إلى المقبرة من خلال صيانتها.


إعداد عبدالاله مجيد: وجد الناشط بن غلينيكي خلال زيارة لضريح ماركس في مقبرة هايغيت في شمال لندن أن عليه أن يدفع أربعة جنيهات إسترلينية أو نحو ستة دولارات لتقديم آيات الاحترام إلى الرجل، الذي أعلن موت الملكية الخاصة والركض وراء الربح.

قال الناشط اليساري الشاب: "أنا شخصيًا أعتقد أن ذلك يثير الاشمئزاز". وأضاف إن "الرأسماليين لا يتورعون عن شيء، مهما بلغ من مفارقة وقلة ذوق، إذا كان فيه ربح لهم".

وتشير المنظمة الخيرية، التي تهتم بالمقبرة، إلى مفارقة من نوع آخر، قائلة إن كارل ماركس قرر أن يشتري رقعة أرض في مقبرة خاصة في لندن، مفضلًا ذلك على البدائل التي كانت توفرها الدولة. وتؤكد المنظمة أنها تتقاضى رسمًا عن زيارة قبر ماركس، لتغطية تكاليف العناية بالمقبرة، التي يرقد فيها 170 ألف شخص.

تذمر أهلي
تتصادم وجهتا النظر هاتان منذ التسعينات عندما بدأت منظمة "أصدقاء مقبرة هايغيت" تتقاضى رسمًا، لتمويل صيانة المقبرة، التي تعاني من الإهمال. وأخذ هذا الرسم الآن يثير حفيظة جيل جديد من الماركسيين، لا سيما وأن الاهتمام بتركة ماركس وإرثه اكتسب زخمًا جديدًا في بريطانيا، بعد فوز اليساري جريمي كوربن بقيادة حزب العمال في أيلول/سبتمبر الماضي.&

وفي اليوم الذي أعقب فوز كوربن، باع الناشط الشاب غلينيكي 50 نسخة من صحيفة "ذي سوشياليست أبيل" "النداء الاشتراكي" في اجتماع حضره كوربن. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن غلينيكي إنه عادة يبيع 20 إلى 30 نسخة في مثل هذه الفعاليات. وشهد اتحاد الطلبة الماركسيين هذا العام زيادة في عدد أعضائه الجدد خلال الأسابيع القليلة الماضية، كما قال غلينيكي العضو في قيادة المنظمة.
&
كما تتوقع المنظمة، التي تعتني بالمقبرة، زيادة الاهتمام بماركس وشكاوى الماركسيين من الرسم الذي تتقاضاه لزيارة قبره. ويزور المقبرة نحو 200 شخص يوميًا، غالبيتهم يطلبون إرشادهم إلى قبر ماركس.

إعادة توزيع
وكان ماركس، الذي دعا إلى الثورة على الملكية الخاصة، هرب إلى لندن عام 1849. وعاش في العاصمة البريطانية حتى وفاته عام 1883، ودُفن في مقبرة هايغيت. وقال أيان دانغافيل من المنظمة، التي تعتني بالمقبرة، إن الماركسيين يشكون من الرسم، ويقولون إن "ماركس سيتقلب غضبًا في قبره إذا سمع بالرسم"، لكن دانغافيل يقول لهم إن منظمته تطبّق مبدأ إعادة التوزيع، الذي دعا إليه ماركس، لأن كل ما تجمعه من رسم الزيارة يعود إلى المقبرة، من خلال صيانتها والعناية بها.

وكانت مقبرة هايغيت افتُتحت عام 1839 بوصفها واحدة من سبع مقابر "رائعة"، بنتها شركات خاصة، للتخفيف من ازدحام المقابر الأخرى في لندن. وتعاقدت شركة مقبرة لندن مع خبير معروف بهندسة الحدائق لتصميم مقبرة هايغيت. لكن عندما بلغت المقبرة طاقتها الاستيعابية القصوى، جفت مصادر الدخل، وألمّت بالشركة أزمة مالية في عام 1960. وأخذت المقبرة تعاني من الإهمال، وقبورها تتعرّض للتخريب، وأصبحت المكان المفضل لطقوس المؤمنين بالسحر والقوى الخارقة للطبيعة.&

وكان نصب ماركس هدفًا رئيسًا لأعمال التخريب، بما في ذلك محاولتان لتفجيره. وفي عام 1970 حاول مهاجم قطع أنف تمثال ماركس البرونزي، وزرع عبوة ناسفة فيه. لكن المحاولة باءت بالفشل، وجرى تفجير العبوة قرب الضريح، وتسبب ذلك في إلحاق أضرار بالقاعدة الرخامية، التي نُقشت عليها عبارة ماركس الشهيرة: "يا عمّال العالم إتحدوا!".

عاش رأسماليًا!
في عام 1975 بادرت جين بايتمان من سكان المنطقة إلى تأسيس "جميعة أصدقاء هايغيت"، التي تولت إدارة المقبرة المتداعية. وذاع صيت بايتمان، التي تسمّي نفسها "تنين البوابة"، لمواجهاتها مع الماركسيين الذين يحتجّون على الرسم. وقالت بايتمان في عام 2008 إن ماركس نفسه "عاش حياة رأسمالية، بل إنه حتى رهن مصوغات زوجته الفضية".
&&
وكانت قصص مواجهات بايتمان خلال فترة الحرب الباردة مع وفود الدول الشيوعية التي تأتي لزيارة قبر ماركس معروفة في منطقة المقبرة. واختفى المخرّبون والمؤمنون بالسحر، واختفت معهم بايتمان، التي انضمت إلى ماركس في مقبرة هايغيت بوفاتها عام 2012. لكن السجال حول إرث ماركس ورسم زيارة قبره ما زال محتدمًا.

نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن ديما ماروتي، وهو ماركسي يعيش في لندن، إن ماركس مدفون في مقبرة هايغيت، لأنها رقعة جميلة، وليس للتربّح من دفنه في تربتها.&لكن الزائر الأميركي أندرو كارول لاحظ أن ضريح ماركس "نصب بورجوازي" على الضد مما كان يبشّر به صاحبه.&&

إقرار بالمكافأة
وترى غالبية الزوار أن الرسم مبرر للمساعدة على العناية بالمقبرة التي من الراقدين فيها الروائية جورج إليوت. حتى إن هناك بعض الماركسيين لا يعترضون على رسم زيارة ماركس. قال ألكيس غوردن، الذي يرأس منظمة خيرية أخرى تساعد على العناية بالقبر: إن "ماركس كان يعتقد بأن العمل يجب أن يكافأ، ولم يكن يعتقد أنه بالإمكان بناء مجتمع لا طبقي، بالامتناع عن دفع ثمن الأشياء". أضاف إن ماركس "لم يكن هيبيًا".
&
لكن الناشط اليساري غلينيكي يرى أن من مهمات الدولة أن تدير الخدمات العامة، وأن الرسم كان سيروّع ماركس. ورفض فلينيكي دعوة صحيفة وول ستريت إلى زيارة المقبرة، قائلًا إن رحلة إلى قبر ماركس يقوم بها ماركسي مثله مع صحيفة مثل وول ستريت جورنال رحلة تحاول أن تجمع بين نقيضين لا يمكن الجمع بينهما، وستتعيّن تغطيتها هي أيضًا ببعض المال.

وعندما حاول غلينيكي أن يزور قبر ماركس في صيف العام الماضي لم يتمكن من دخول المقبرة حين رفض دفع الرسم، واكتفى بنظرة عبر السياج. وفي المساء وجد الناشط الشاب نفسه يعود إلى عمل ماركس الشهير "البيان الشيوعي". وفيه عثر على ما يفسّر غضبه واستياءه من رسم الزيارة. إذ قرأ غلينيكي في البيان الشيوعي إن في عالم اليوم "ليس هناك ما يربط بين الإنسان والإنسان سوى المصلحة الذاتية والدفع نقدًا".