موسكو: في منتجع سوتشي جنوبي روسيا على ضفاف البحر الاسود جرى لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان ولم يكن مضى على لقائهما السابق في أنقرة اكثر من بضعة أسابيع. 

كان اللقاء والذي استمر لما يزيد عن الاربع ساعات، هو السادس في سلسلة لقاءات الزعيمين خلال أقل من العام، فضلا عما يقرب من 12 مكالمة هاتفية أجراها الزعيمان على مدار الفترة القليلة الماضية، ما يشير وكما قال بوتين في ختام لقائه مع اردوغان، الى أن العلاقات بين البلدين تبدو عمليا وقد عادت الى مستواها الطبيعي السابق، اي قبل حادث اسقاط تركيا للمقاتلة الروسية على الحدود المتاخمة لسوريا في نوفمبر من عام2015، والذي كان وصفه بوتين بانه "طعنة في ظهر روسيا". 

هذه المقدمة تقول بحرص الجانبين على تنسيق مواقفهما ازاء الكثير من القضايا ذات الاهمية المشتركة، وفي صدارتها العلاقات الثنائية وما يتعلق بتسوية الازمة السورية ومكافحة الارهاب. 

وعلى الرغم من حقيقة تجاوز الجانبين للكثير من "عثرات" الماضي وتبعات حادث اسقاط المقاتلة الروسية، فثمة شواهد وتصريحات كثيرة ، تقول بوجود ما يختلف حوله الزعيمان وما يتطلب بذل المزيد من الجهود لاستعادة كامل الثقة في اطار اولويات كل من الجانبين، والتوصل الى المستوى المنشود لعلاقات البلدين على مختلف الاصعدة وفي مقدمتها بلوغ حاجز المائة مليار دولار حجما للتبادل التجاري.

قال بوتين ان البلدين حققا طفرة متميزة في علاقاتهما خلال الفترة القليلة الماضية ولا سيما في مجال التعاون الاقتصادي والتجاري الذي ارتفع بنسبة تزيد عن 36% خلال الاشهر التسعة الاولى من هذا العام، فضلا عن التقدم الذي احرزاه في مجال الطاقة ولاسيما ما يتعلق بتنفيذ مشروعي التيار التركي لنقل الغاز، وبناء المفاعل الاول لمحطة اكيو النوية والمنتظر الانتهاء منه في عام 2023. 

وكشف الرئيس الروسي عن انه اطلع نظيره التركي بما جرى الاتفاق حوله خلال لقاءاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في دانانج الفيتنامية على هامش قمة ابيك، وفي طهران مع الرئيس حسن روحاني بشأن التسوية السياسية للازمة السورية على ضوء ما يتحقق من نجاح في مكافحة الارهاب في المنطقة على اساس بيان جنيف والقرار 2254 الصادر عن مجلس الامن الدولي والقرارات ذات الصلة. 

وخلص بوتين الى تاكيد الاتفاق حول الحفاظ على سلامة ووحدة واستقلال سوريا واهمية التعاون القائم بين موسكو وانقرة وطهران من اجل التوصل الى التسوية المنشودة تحت رعاية الامم المتحدة. 

ورغم كل ما اطلقه الرئيس التركي اردوغان من تصريحات قبيل مغادرته بلاده قاصدا سوتشي حول طلب سحب القوات الأميركية والروسية من سوريا، وما يتعلق برفض مشاركة الاكراد في مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي دعت موسكو الى عقده في سوتشي، فلم يكشف أي من الرئيسين عما دار بينهما من حوار حول هذه المسائل، التي قال دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين في اطار تعليقه بهذا الشأن ان هناك من المسائل والقضايا "المعقدة" ما يتعذر الكشف عن تفاصيلها، بطبيعة الحال، دون تاكيد او نفي لاثارتها خلال مباحثات الزعيمين. 

وعلمت "ايلاف" في موسكو ان مسألة دعوة الاكراد الى مؤتمر سوتشي تظل مرتبطة بمدى الاتفاق الذي يمكن التوصل اليه على ضوء نتائج التشاور مع كل الاطراف المعنية. 

وقالت "مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى" لـ"ايلاف" ان الامر لم يتقرر بعد، وان اتفاقا جرى التوصل اليه حول الاستجابة لدعوة الرياض التي وجهتها الى العديد من ممثلي فصائل المعارضة للاجتماع هناك خلال الايام القليلة المقبلة للتشاور قبل عقد هذا المؤتمر الذي تقرر له مبدئيا مطلع ديسمبر المقبل، بدلا من 18 من نوفمبر الجاري، وبعد عقد المشاورات المرتقبة في جنيف تحت رعاية الامم المتحدة في نهاية نوفمبر الجاري. 

اما عما يتعلق بسحب القوات "الاجنبية" من سوريا، فان موسكو كانت اول من دعت الى انسحاب كل القوات الاجنبية الموجودة في الاراضي السورية بشكل "غير شرعي" ودون موافقة او دعوة من الحكومة السورية الشرعية. 

وأعادت المصادر الروسية الى الاذهان ما سبق وأعلنه سيرجى شويجو وزير الدفاع الروسي حول عزم موسكو سحب بعض الوحدات الروسية التي شاركت في العملية العسكرية التي بدأتها روسيا في 30 سبتمبر 2015 ، على ضوء ما تحقق من نجاح في القضاء على التنظيمات الارهابية واستعادة القوات الحكومية السورية على ما يزيد عن 95% من الاراضي السورية. 

واضافت المصادر ان هناك من القوات الروسية ما سوف يظل في سوريا في اطار المعاهدات والاتفاقيات الموقعة بين البلدين حول قاعدة "حميميم" الجوية، والقاعدة البحرية في طرطوس، لمدة 49 عاما قابلة للتجديد، بما يعني ان موسكو لم تكن لتفتح باب النقاش حول احتمالات سحب قواتها من سوريا. 

فضلا عن ان الجانب التركي كان ولا يزال صاحب مصلحة في التعاون العسكري مع موسكو، رغم كونه عضوا في حلف الناتو وهي العضوية التي لم تحل دون طلب انقرة التعاقد مع موسكو لشراء منظومات "اس-400" الصاروخية ، والذي استجابت له موسكو لتكون تركيا الثالثة في العالم التي تحصل عليها بعد الصين والهند ، حسب تصريحات سيرجى تشيميزوف رئيس مؤسسة "روس تيخ" للتسليح والرفيق القديم لبوتين منذ عملهما المشترك في "كي جي بي"، في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي. وذلك يعني أيضا ان هناك من مساحات الاتفاق ما يزيد كثيرا عن مساحة الخلافات التي بدا حرص الجانبين واضحا على تقليصها الى ابعد الحدود. 

ومن هذا المنظور أعلن الجانبان عن ارتياحهما لما تحقق من طفرة كبيرة في علاقات البلدين وما سمح لاحقا بالنظر في الغاء الحظر الذي كان مفروضا على عدد من السلع والحاصلات الزراعية ومنها الطماطم والباذنجان والرمان وبما سمح بارتفاع حجم التبادل التجاري خلال الاشهر الاخيرة حتى 15 مليار دولار، فيما تجاوز عدد السائحين الروس لتركيا حاجز الاربعة ملايين سائح خلال الاشهر التسعة الاخيرة من واقع ما اعلنه اردوغان في ختام مباحثاته مع نظيره الروسي. 

ورغم كل ما تحقق من نجاح على صعيد العلاقات بين البلدين ، فان "الارتياح" الذي أعرب عنه كل من الزعيمين تجاه هذا النجاح، يظل ذا "مذاق خاص"، ثمة من يقول في موسكو انه ليس من الضروري ان تتفق درجته مع ما يمكن أن ينال إعجاب الاخر.