يخشى البعض من توطين الفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها، بما فيها لبنان، بعد قرار الولايات المتحدة الأميركية قطع مساعداتها عن "الأونروا"، رغم الرفض الكبير لهذا التوطين من قبل المعنيين.

إيلاف من بيروت: الجميع في لبنان يستنكر اليوم قرار الولايات المتحدة قطع مساعداتها عن "الأونروا". ويتبارى البعض في اعتلاء المنابر الإعلامية مبديًا الخشية من أن يكون القرار خطوة ثالثة في مسار تنفيذ صفقة القرن الأميركية – الإسرائيلية، أي توطين الفلسطينيين في لبنان، وذلك بعد خطوتين هما: تكريس القدس عاصمة لدولة إسرائيل، والإقرار بيهودية هذه الدولة.

في الكواليس الدولية يتمّ التعاطي مع قرار توطين الفلسطينيين في أماكن وجودهم وكأنّه أمر واقع لا مفرّ منه، ولطالما كان هناك اقتناع في العديد من الأوساط الدبلوماسية بأنّ تجفيف موازنة "الأونروا" هو عملية مدروسة، وقد بدأت في شكل متدرّج منذ أكثر من 10 سنوات، ورافقها تقليص المساعدات للنازحين الفلسطينيين، كمًّا ونوعًا، حتى آن الأوان اليوم للكشف عن عملية اغتيال كاملة للمنظمة. فما مدى جدية توطين الفلسطينيين في لبنان؟.

فرضية التوطين
تعقيبًا على الموضوع، يؤكد النائب السابق سليم سلهب في حديثه لـ"إيلاف"، أن فرضية التوطين لا يمكن أن تكون صحيحة في لبنان، لأن الدستور اللبناني يمنع ذلك، ولا مجال في لبنان لتعديل الدستور لمصلحة التوطين في لبنان، وفي حال حصل التوطين يفقد لبنان هويته اللبنانيّة، ويصبح مزيجًا عربيًا، وليس لبنانيًا فقط، ويتم تغيير معالم الشعب اللبناني، ليصبح حينها شعبًا مختلطًا من كل المكونات العربية، إن كانت فلسطينية أو غيرها.

استفادة الغرب
لدى سؤاله كيف تستفيد الدول الغربية من توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟، يؤكد سلهب أن الاستفادة تكون من خلال إزاحة خطر اللاجئين عنها.

أما هل ينجح لبنان في سعيه إلى رفض التوطين؟... فيرى سلهب أنه ينجح في حال استمر التوافق اللبناني الداخلي حول رفض الأمر، ومهما كانت الضغوطات الخارجية، حينها لن تقوى على إرادة اللبنانيين وإصرارهم على رفض التوطين.

الإرادة الموحدة
من جهته، وردًا على سؤال "بين السعي إلى التوطين وبين إرادة اللبنانيين ورفضهم الأمر، من ينجح؟"، يؤكد النائب السابق نضال طعمة في حديثه لـ"إيلاف" أن الإرادة اللبنانية الموحدة هي من ستغلب وتنجح، ومنذ فترة لم نرَ وحدة حول موضوع معيّن، كما هي الحال بالنسبة إلى توطين اللاجئين، وهذه قوة، يجب أن تترجم بالعودة إلى المؤسسات الدستورية.

دعم لبنان
لدى سؤاله "كيف يمكن دعم الموقف اللبناني الموحّد الرافض لتوطين اللاجئين في لبنان؟"، يجيب طعمة أن الوحدة يجب أن تتجلى داخليًا وخارجيًا، وعلينا أن نرفع صوتنا مع كل القيادات والأحزاب وكل الطوائف، وليس مقبولًا اليوم الكلام الهامس، بل علينا أن نرفع صوتنا لجهة رفض التوطين، ومع وجود وحدة صادقة صارخة ومحصنة&بالدستور، لا أحد يستطيع أن يفرض علينا أي أمر، حتى لو اجتمعت كل الدول ضدنا. أما إذا بقينا&متشرذمين، فسوف يمر الأمر ضد إرادتنا".

تأزيم العلاقات
ويؤكد طعمة أن لبنان قد يتأثر مع تأزيم العلاقات مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة خصوصًا، لأننا دولة صغيرة، وحولنا ملتهب، وليس&من مصلحتنا القيام بمعركة مع الغرب، ولكن ليس&من مصلحتنا الرضوخ لمطالبهم، لا نستطيع المواجهة عسكريًا وسياسيًا نبقى مختلفين في الآراء، لا نستطيع المواجهة سوى بالوحدة، وهذه الوحدة الداخلية تبقى الأهم.

إسرائيل&لن تقبل
أما كيف يقرأ اللبنانيون مفاعيل قرار الولايات المتحدة بالنسبة إلى الأونروا على موضوع توطين الفلسطينيين في لبنان؟. فهنا يشير خليل أبو جودة إلى "أننا نعلم في قرارة نفسنا أن إسرائيل لن تقبل بعودة الفلسطينيين إلى بلدهم، وكانت مخاوف التوطين والشكوك تراودنا دائمًا، مع تفاقم الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وازدياده تعقيدًا. أما اليوم فقد تحوّلت هذه الهواجس والمخاوف إلى حقيقة تقطع الشك باليقين بأن احتمال توطين الفلسطينيين أصبح واقعًا".

السوريون
زياد خاطر يشير إلى أنه "أمام انشغال لبنان بأزمة النازحين السوريين، يغفل المسؤولون قضية أهم، وهي أزمة اللاجئين الفلسطينيين، خصوصًا أن البعض يتردّد على مسامعه أن هناك من الدول الكبرى من يقترح المساعدة على إعادة النازحين السوريين مقابل توطين الفلسطينيين، وبالتالي فإن المعلومات في هذا الشأن تؤكد أن لا نيّة لدى المجتمع الدولي لحلّ أزمة النازحين واللاجئين، خصوصًا أن هذا الموضوع مرتبط بعوامل إقليمية وخارجية".&

تنفيذ المخطط
تانيا الحلو تشير إلى "أن توطين الفلسطينيين في لبنان هو في عمق وصلب السياسات الدولية، والواقع أن أصحاب القرار الدولي وبعض المتفقين معهم يخططون لتنفيذ هذا المخطط، كما إن هناك من يعمل مخابراتيًا لفوضى في المخيمات الفلسطينية، لا سيما في مخيم عين الحلوة، حتى تنهار الأوضاع برمتها، وتقوم أوضاع ديموغرافية وسياسية جديدة، تنتهي بالتوطين.&

تضيف: "إن التسيب الأمني في المخيمات ليس مختصرًا ومحدودًا وسطحيًا، لكن مفاعيله الأمنية والسياسية تنذر بكارثة حقيقية على الوجود الفلسطيني في لبنان كله، لذلك على الدولة اللبنانية أن تتصرف بوعي تام لما تقتضيه المسؤولية الوطنية والأخلاقية في ما خص موضوع الشعب الفلسطيني في لبنان".

حق العودة
زاهي طنوس يؤكد أن "اعتراض اللاجئين الفلسطينيين المحموم على إعادة التوطين يفسر مدى تمسكهم الكبير بحق العودة، الذي كان وما زال من أهم المبادئ المحورية للحركة الوطنية الفلسطينية منذ عام 1948 عندما غادر كثير من اللاجئين الفلسطينيين ديارهم، معتقدين أنهم سيعودون إليها قريبًا، ونتيجة لذلك الاعتقاد، لم يأخذوا معهم إلاَّ قليلًا من مقتنياتهم، ومع أن الأحداث على أرض الواقع قضت تمامًا على هذه الخطط المباشرة، لم يفقد الفلسطينيون الأمل في احتمالية عودتهم في المستقبل، بل على العكس من ذلك، ظلت رغبة الفلسطينيين في العودة قوية، مستندة في ذلك إلى تأييد الأمم المتحدة الرسمي لحق العودة من خلال القرار 194، وتعالت الأصوات المنادية بتفعيل هذا الحق الذي أصبح محور الخطاب السياسي الفلسطيني، وما زال القرار 194 الصيحة الشعبية الفاعلة التي تنادي بها أصوات الفلسطينيين اليوم، لكن، يضيف طنوس، يأتي قرار أميركا بالنسبة إلى الأونروا اليوم ليعزز من جهة أخرى فرضية توطين الفلسطينيين في لبنان ويكرّس الموضوع كأمر واقع.
&