البصرة: جلسات استثنائية وبيانات طارئة ووعود بالحل في بغداد، سعيا من الحكومة إلى نزع فتيل الأزمة القائمة في البصرة. لكن المتظاهرين في المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط لا يرون في تلك المحاولات إلا "تكرارا مضحكا" للوعود التي لا تسمن ولا تغني عن جوع.

ولم تشهد المدينة السبت تظاهرات. وبدت الحركة طبيعية في الشوارع، بحسب صور التقطتها وكالة فرانس برس.

لكن الغضب لم يهدأ، وبدا واضحا أن الناس لا يعلقون أي آمال على جلسة مجلس النواب.

وقال منسق تجمع شباب البصرة منتظر الكركوشي الذي يشارك في التظاهرات منذ انطلاقها قبل شهرين، لوكالة فرانس برس إن "مثل هذه البيانات والجلسات لا يمكن أن تهدئ الشارع البصري".

وأضاف الناشط البالغ من العمر 30 عاما أن "الشارع ينتظر إجراءات فعلية على أرض الواقع. مخرجات جلسة مجلس الوزراء مضحكة ومكررة. البصرة لم تستلم الأموال ولم تنفذ فيها مشاريع ولا يزال الماء مالحا، ولا تزال من دون خدمات. هي تنزف".

منذ بداية تموز/يوليو الماضي، خرج الآلاف في البصرة بداية، ثم في كامل الجنوب العراقي، في تظاهرات ضد الفساد وانعدام الخدمات العامة والبطالة التي زاد من سوئها العام الحالي الجفاف الذي قلص الإنتاج الزراعي بشكل كبير.

لكن الأمور اتخذت منحى تصعيديا اعتبارا من الثلاثاء على خلفية أزمة صحية غير مسبوقة في البصرة، حيث نقل 30 ألف شخص إلى المستشفى تسمموا بالمياه الملوثة.

ودعا العبادي حكومته إلى جلسة طارئة أصدر على أثرها بيانا من سبع نقاط وعد فيه بتأمين ما يلزم لحل الأزمة في المحافظة.

وعقد البرلمان العراقي في بغداد السبت جلسة استثنائية بحضور رئيس الوزراء حيدر العبادي وبعص من وزرائه مخصصة لمناقشة الوضع في البصرة بعد أن اسفرت الاحتجاجات عن مقتل 12 متظاهرا من دون أن تعرف ملابسات قتلهم.

وانصرف سكان البصرة اليوم الى أعمالهم، ولم يتسمروا أمام محطات التلفزة لمتابعة الجلسة التي شهدت نقاشا عقيما وتصعيدا سياسيا، ومطالبة من الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان العراقي باستقالة العبادي، بعد ان تبادل هذا الأخير الاتهامات بالمسؤولية مع محافظ البصرة أسعد العيداني.

- "لا شيء في البصرة" -

فمع افتتاح الجلسة، قال العبادي أمام 172 نائبا حضروا من أصل 329، إن "البصرة عامرة وتبقى عامرة بأهلها (...) والخراب فيها هو خراب سياسي"، في محاولة منه للإشارة إلى أن المشكلة ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة سيطرة أحزاب عدة على مفاصل الحياة اليومية في المحافظة ذات الغالبية الشيعية.

واعتبر رئيس الوزراء أن "مطالب أهل البصرة هي توفير الخدمات، ويجب أن نعزل الجانب السياسي عن الجانب الخدمي".

لكن سرعان ما أتته الإجابة من محافظ البصرة الذي رد بالقول إن "الحديث الذي سمعته وكأنه لا يوجد شيء في البصرة. إذا لماذا نجلس؟".

وأضاف العيداني الذي استلم منصبه قبل عام أن "البصرة تحترق (...) بيوتنا احترقت ومنشآتنا احترقت. المحافظة مديونة بـ160 مليار دينار، وحتى اليوم لم نسدد الديون".

فعاد العبادي ورمى الكرة في ملعب العيداني قائلا إن "فشل المحافظ ومجلس المحافظة ذريع".

وقال مسؤول رابطة حقوق ذوي الشهداء في البصرة وليد الأنصاري (36 عاما) لفرانس برس إن "الجلسة لم تقدم ولا تؤخر. البصرة ليست قضية ماء وكهرباء فقط".

وأضاف "الشعب مصدر السلطات. الناس اليوم أصبحوا واعين، ويرون أن الأحزاب هي سبب خراب البلاد. لو أرادوا إثبات حسن النوايا، فليستقيلوا. عرفناهم 15 عاما لم يوفروا شيئا للمواطن، فما الذي سيفعلونه خلال عام أو عامين؟".

- "برميل نفط" -

وكان المتظاهرون أقدموا على إحراق كل ما يعتبرونه رمزا للسلطة التي يرونها فاسدة وفوق القانون، بدءا من مبنى المحافظة في وسط المدينة، مرورا بمقار الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة المسيطرة في هذا المعقل الشيعي، وصولا إلى القنصلية الإيرانية المحصنة.

لكن الكركوشي يعتبر أن المسؤولية في ما حصل "تقع كاملة على عاتق رئيس الوزراء".

وقال "عليه إحالة القادة العسكريين إلى المحاكم العسكرية فورا، وإعلان من أمر بإطلاق النار على المدنيين وإشعال الشارع وتحويل المسار إلى تصفية حسابات سياسية. هم من أشعلوا الشارع".

ويتهم المدافعون عن حقوق الإنسان الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، في حين تشير السلطات إلى "مخربين" تسلّلوا بين المحتجين، مؤكدة أنها أمرت الجنود بعدم إطلاق النار.

رغم أن المتظاهرين قرروا تعليق التظاهر السبت، لإثبات أن لا علاقة لهم بعمليات التخريب، فذلك لا يعني التنازل عن الحقوق، بحسب قولهم.

فقد أكد الأنصاري أن "مطالبنا واضحة (...) نريد تغييرا جذريا، لا نريد من ينظر إلى البصرة فقط على أنها برميل نفط".
&