طرابلس: بعد شهر من المعارك الدامية في جنوب طرابلس، تجد الحكومة الليبية المعترف بها دوليا نفسها تحت الضغط للقيام بإصلاحات جذرية تتيح بسط الأمن، وذلك عبر التخلص من الارتهان لمليشيات العاصمة.

وقال مبعوث الامم المتحدة الى ليبيا غسان سلامة هذا الاسبوع على هامش إجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، إنه من "الضروري تحرير الحكومة من قبضة المجموعات المسلحة" في طرابلس.

وأشار جلال الحرشاوي الخبير في شؤون ليبيا في جامعة باريس 8 "للمرة الأولى تصف الأمم المتحدة المليشيات المقربة من حكومة الوفاق الوطني بأنها غير مرغوب فيها ويتعين تفكيكها".

وأضاف "لكن في الواقع، لن نرى إعادة نظر كاملة (..) لكافة المجموعات المسلحة المقربة من حكومة الوفاق الوطني" وذلك مخافة حدوث فراغ أمني.

وتسيطر على ليبيا الغارقة في الفوضى منذ الاطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، سلطتان متنافستان. فمن جهة هناك حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، ومن جهة أخرى هناك سلطة موازية في شرق ليبيا مدعومة من قوات المشير خليفة حفتر والبرلمان المنتخب.

وفشلت حكومة الوفاق الوطني، التي انبثقت عن اتفاق موقع في 2015 برعاية الأمم المتحدة، في إرساء قوات أمن موحدة واستمرت بالتعويل على مجموعات مسلحة لضمان أمنها وأمن العاصمة الليبية.

إرتهان

واغتنمت المجموعات المسلحة الكبيرة في طرابلس هذا الوضع، للتسلل الى المؤسسات السياسية والاقتصادية، وهي لا تتردد في استخدام المدفعية الثقيلة للدفاع عن "مكاسبها".

ومثال على ذلك ما حدث في آب/أغسطس 2018 عندما حاولت مجموعات مسلحة آتية من مدن أخرى في غرب ليبيا دخول العاصمة، فاصطدمت بمليشيات طرابلس. وقتل 117 شخصا على الأقل وأصيب اكثر من 400 بجروح خلال شهر من المعارك.

وتوقفت المعارك هذا الشهر إثر التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار التزمت بموجبه حكومة الوفاق الوطني خصوصا بإخراج المجموعات المسلحة من منشآت الدولة والمنشآت الاستراتيجية.

لكن المحللين يرون أن الحد من سلطات المجموعات المسلحة سيكون أمرا صعبا.

ورأى الحرشاوي أن "هذه المجموعات عملت بذكاء على التسلل الى مؤسسات الشرطة والاقتصاد في العاصمة (..) وحكومة الوفاق الوطني تعمل معها وترتهن لها وتعتمد عليها".

ومن وسائل الحد من سيطرتها على الاقتصاد، إجراء عملية تطهير في هذا القطاع.

وأعلنت حكومة الوفاق الوطني عن سلسلة اجراءات لتلافي "عدم فعالية" القطاع المصرفي والاقتصاد عموما، الامر الذي تستفيد منه المليشيات.

ويهدف الاصلاح خصوصا الى تقليص الهوة بين مستوى سعر الصرف الرسمي للعملة الوطنية ومستواه في السوق السوداء، وسحب دعم الدولة للمحروقات للتصدي للتهريب الذي يضر بالاقتصاد في هذا البلد الغني بالنفط.

فساد

ويبلغ سعر صرف الدولار رسميا نحو 1,4 دينار ليبي، لكن سعر الصرف يتضاعف اربع الى خمس مرات في السوق السوداء بسبب نقص حاد للعملة الاجنبية والوطنية في البنوك.

وأدى ذلك الى تنامي الفساد أساسا لمصلحة المجموعات المسلحة التي تبيع في السوق السوداء دولارات تحصل عليها بسعر الصرف الرسمي لتكسب بذلك أموالا طائلة.

وللحد من هذا التلاعب فرضت الحكومة ضريبة بنسبة 183 بالمئة على بيع العملة الأجنبية الأمر الذي أدى الى تراجع قيمة العملة الوطنية.

ومنذ بدء العمل بهذه الضريبة، يتم تبادل الدولار متى توفر في البنوك، مقابل 3,9دينارات ليبية بالسعر الرسمي.

لكن كمال المنصوري الخبير الاقتصادي الليبي شكك في نجاعة هذه الاجراءات في وقت تملك فيه كل سلطة في البلاد بنكا مركزيا.

وراى أنه يتعين أولا "غلق كافة المؤسسات الموازية".

واعتبر النائب في البرلمان الليبي اسماعيل الشريف ان الاصلاحات الاقتصادية لا يمكن تطبيقها اذا لم تكن مرفقة باصلاحات على المستويين السياسي والأمني.

وقال "لن يكون هناك أي نجاح على المستوى الاقتصادي اذا استمر التوتر واذا بقيت الأسلحة بأيدي فصائل مسلحة".

وهو يرى ان الأمل ضعيف في نجاح الاصلاحات دون "اعادة هيكلة" حكومة الوفاق الوطني، وهو ملف حساس عاد مجددا الى صلب المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين سلطات طرابلس وسلطات الشرق.