السعودية قادرة على التحقيق في مقتل جمال خاشقجي بشفافية وكشف الفاعلين، ويمكن أميركا وأوروبا دعم تحقيقات الرياض وأنقرة، لكن هذه ليست مهمة أممية.&

لندن: كتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي أثارت غضبًا عالميًا له ما يبرره، لكنّ الدعوات المطالبة بتحقيق تُجريه الأمم المتحدة ليست مبررة ولا حصيفة.

لا وثوق

يرى الداعون إلى تحقيق أممي أنه إزاء حجم هذه القضية، لا يمكن الوثوق بدولة ذات سيادة أن تجري تحقيقًا كاملًا وعادلًا، وبأن هناك إمكانية للتحيز من جانب السعوديين، الموجهة أصابع الاتهام إليهم، ومن جانب تركيا غريمة الرياض، ومن جانب الولايات المتحدة شريكة السعوديين الاستراتيجية العريقة.&

يصح الشيء نفسه على العديد من الدول الأخرى، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا، التي لديها مصالح اقتصادية واستراتيجية في المنطقة.&

لكن هذا الاعتراض مبالغ فيه، وهناك أمثلة كثيرة على دول اتُهمت بارتكاب جرائم فظيعة بينها التعذيب والقتل خارج إطار القانون.&

تضم القائمة الولايات المتحدة وجميع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهذا المعيار يجرد من الأهلية عمليًا كل دولة عضو في الأمم المتحدة.

في الحالات القصوى

القاعدة العامة هي أن من صلاحية الدول ذات السيادة وواجبها أن ترتب بيتها بالتحقيق وملاحقة المتهمين في الجرائم المفترضة. في الحالات القصوى فحسب، يمكن أن يكون التحقيق الدولي مبررًا، مثلًا عندما تكون الدولة ذات العلاقة غير قادرة على إجراء التحقيق بنفسها، أو حين تكون الجرائم المفترضة بمستوى الجرائم الدولية واسعة الانتشار التي يحدد القانون الدولي مسؤولية جنائية فردية عنها.&

الأمثلة الكلاسيكية هي جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية، جرائم ليست واردة في هذه الحالة. قتل شخص معين نادرًا ما كان موضوع تحقيق دولي، كما في حالة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري الذي قتل في انفجار سيارة مفخخة في بيروت في عام 2005.

في حالة الحريري، جرى الاشتباه بضلوع سوريا&وحزب الله، ولم تكن الحكومة اللبنانية قادرة على إجراء تحقيق مستقر بعيد عن التدخل، وافقت بيروت على قرار مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة. لكن أغلبية الأجهزة الاستخباراتية قاطعت التحقيق، وأخفقت المحكمة الدولية المشكلة لهذا السبيل في تقديم أي من المتهمين بارتكاب الجريمة إلى العدالة.

التستر ممنوع

في هذه الحالة، السعودية قادرة تمامًا على القيام بتحقيق شفاف في مقتل خاشقجي، ولها مصلحة كبرى في الأمر. فخاشقجي مواطن سعودي، وكذلك قتلوه&على ما يبدو. هناك قلق بديهي بشأن نزاهة التحقيق السعودي بسبب احتمال ضلوع مسؤولين رفيعي المستوى، والتفسيرات السعودية المتناقضة تعرضت لانتقادات مبررة. لكن المملكة عضو له مكانة رفيعة في الأسرة الدولية، ومؤكدا أنها تدرك أن التستر على القتلة يُلحق ضررًا فادحًا بمكانتها هذه.

لتركيا أيضًا مصالح مشروعة هنا. فإذا قُتل خاشقجي بتواطؤ رسمي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، فهذا انتهاك للحقوق الدبلوماسية التي تمنحها تركيا إلى دولة أخرى ذات سيادة، بموجب المعاهدة ذات العلاقة.&

تستطيع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى أن تدعم تحقيقات الرياض وأنقرة وتساعدها، بل واجبها أن تفعل ذلك.
للولايات المتحدة مصلحة قوية في الحفاظ على المعايير القانونية الدولية بموجب معاهدة فيستفاليا لعام 1648، والتي تعترف بالدولة القومية أعلى سلطة، وتضع قواعد تسري على الدول كلها بالتساوي.&

أميركا تحقق

ثمة تحرك مصمم على إضعاف هذا النظام التقليدي لصالح سلطة فوق قومية. واستهدفت هذه المحاولات في أحيان كثيرة الولايات المتحدة بما في ذلك عملياتها في افغانستان والعراق، والسجون السرية، وأساليب الاستجواب وضربات الطائرات المسيرة.

أثارت هذه القضايا إدانات في الأمم المتحدة، ومطالب بإجراء تحقيقات دولية. وعارضت الولايات المتحدة على النحو الملائم مثل هذه المطالب، لأنها قادرة على التحقيق بنفسها في الاتهامات، وهي بالفعل تحقق فيها.&

هذا يتركنا مع حل واحد فقط، كما قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل أيام، وهو "اننا سنعطيهم ـ السعوديين والاتراك ـ المجال لإكمال تحقيقاتهم في الحادث، وعندما يقدمون تقاريرهم سنصدر حكمنا على دقة التحقيق وعمقه والقرارات التي يتخذونها بشأن محاسبة مرتكبي الجريمة".
&