مراكش: أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن مسألة الهجرة ليست - ولا ينبغي لها أن تصبح - مسألة أمنية.&

وشدد ملك المغرب في رسالة وجهها للمشاركين في المؤتمر الذي تنظمه الأمم المتحدة بمراكش من أجل ميثاق عالمي للهجرة، وتلاها نيابة عنه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، على القول "إن الاعتبارات الأمنية يجب ألا تمس بحرية التنقل والحركة".

وقال العاهل المغربي إن إدارة مسألة الهجرة "إذا اعتمدت&أساليب&العقاب والقمع، فلن يكون لها أي تأثير رادع. بل سـتودي إلى نتيجة عكسية، حيث ستغيّر مسارات حركات الهجرة، ولكنها لن توقفها. ومن هنا، ينبغي ألا تكون المسألة الأمنية مبررا &لخـرق حقوق المهاجرين"، مشددا على أن هذه الحقوق "ثابتة وغير قابلة للتصرف. ذلك أن وجود أي مهاجر في هذا الجانب أو ذاك من الحدود، لا ينقص من إنسانيته وكرامته، ولا يزيد منها".

وأضاف العاهل المغربي قائلا "ان المسألة الأمنية، لا يمكن أن تكون مبررا، لعدم الاهتمام بسياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، التي تهدف إلى الحد من الأسباب العميقة للهجرة، الناجمة أساسا عن هشاشة أوضاع المهاجرين. وإضافة إلى ذلك، فإن الاعتبارات الأمنية يجب ألا تمس بحرية التنقل والحركة؛ بل ينبغي أن تحولها إلى رافعة للتنمية المستدامة، خاصة في الوقت الذي يعمل فـيه المجتمع الدولي على تنزيل خطة التنمية المستدامة 2030".

وأشار العاهل المغربي في رسالته إلى الطابع الرمزي الذي يكتسيه تزامن انعقاد مؤتمر مراكش حول الهجرة مع ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وقال "ليس من باب الصدفة، أن يتزامن هذا المؤتمر مع تخليد الذكرى السبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تعود بنا إلى سنة 1948، عندما أقرت البشرية بالطابع الكوني لحقوق الإنسان، بغض النظر عن اختلاف الأمم والثقافات والحضارات. وها هي البشرية اليوم في سنة 2018، تعتمد بكل إيمان واقتناع، الطابع العالمي للهجرات البشرية، بعيدا عن الحدود والانقسامات والقارات".

وقال إن الميثاق العالمي الذي اعتمده المشاركون في مؤتمر الأمم المتحدة حول الهجرة بمراكش يظل "لحد الآن، مجرد وعود، سيحكم التاريخ على نتائجها"، معتبرا أن "الوقت لا يزال مبكرا للاحتفال بنجاحها".

واضاف العاهل المغربي قائلا "ويبقى التحدي بالنسبة لهذا المؤتمر، هو إثبات مدى قدرة المجتمع الدولي، على التضامن الجماعي والمسؤول بشأن قضية الهجرة. ولهذه الغاية، يتعين احترام الحق السيادي لكل عضو، في تحديد سياسته الخاصة في مجال الهجرة وتنفيذها. ومن واجبنا أيضا، أن نبرز بأن تعددية الأطراف تتنافى مع سـياسة المقعد الفارغ، ومع التهرب من المسؤولية، واللامبالاة. بل تتطلب تضافر الجهود، والالتزام في إطار الاختلاف".

وقال العاهل المغربي إن التحدي الذي يتعين على هذا المؤتمر رفعه، يتجلى في تغليب منطق الوحدة على الشعبوية، بمختلف أشكالها، ورفض سياسة الانغلاق، واعتماد الحوار والتعاون الدولي للتوصل إلى حلول بناءة، لكسب الرهان الكبير لهذه الظاهرة. ذلك أنه ليس بإمكان أي بلد، أن يواجه وحده تحديات الهجرة. والواقع أنه في غياب خيار التعاون، لن يكون هناك مجال للتحرك والعمل".

ودعا العاهل المغربي إلى "جعل مؤتمر مراكش حول الهجرة نداء من أجل المبادرة والعمل"، مشيرا إلى أن "الميثاق العالمي ليس غاية في حد ذاته، ولا يستمد معناه الحقيقي إلا عبر التنفيذ الفعلي لمضامينه. وهذا بالذات ما يجعل من مؤتمر مراكش نداء من أجل المبادرة والعمل، قبل أي شيء آخر".

وباعتباره رائدا لإفريقيا في مجال الهجرة، أكد العاهل المغربي على أن أفريقيا "استجابت لهذا النداء"، مشيرا الى أنها "لا ترضى بأن تظل على الهامش، وتكتفي بموقف المتفرج. وبالتالي فإفريقيا لن تكون مجرد موضوع للميثاق العالمي، بل ستكون فاعلا رئيسيا في تنفيذه".

وأوضح الملك محمد السادس أن إفريقيا رسمت لها "الأجندة الإفريقية حول الهجرة"، والتي تشكل "الطريق التي يجب أن تسلكها في هذا الاتجاه، حيث كانت سباقة لتأكيد الأهمية التي أعطاها الميثاق العالمي لمعرفة مختلف الديناميات المتعلقة بالهجرة". وأشار إلى أن إفريقيا خصصت لتحقيق هذا الهدف مؤسسة قائمة الذات، وهي "المرصد الإفريقي للهجرة"، الذي يحتضن المغرب مقره، والذي أكد الميثاق دعمه له.

وأضاف العاهل المغربي قائلا "أملنا أن يتعزز عمل هذا المرصد من خلال شبكة من التعاون مع المؤسسات المماثلة في مختلف جهات العالم".

واستعرض في رسالته الأسس التي تقوم عليها السياسة المغربية في مجال الهجرة. وقال "إن اهتمام المملكة المغربية بمسألة الهجرة ليس وليد اليوم ولا يرتبط بظرفية طارئة، بل هو نابع من التزام أصيل وطوعي، يجد تجسيده الفعلي في سياسة إنسانية في فلسفتها، شاملة في مضمونها، وعملية في نهجها، ومسؤولة في تطبيقها. فرؤيتنا تقوم أساسا على استشراف المستقبل، بما يضمن تنظيم حركية الأشخاص. أما مقاربتنا، فتهدف إلى تحقيق توازن سليم بين الواقعية والطوعية؛ وبين المصالح المشروعة للدول، واحترام الحقوق الإنسانية للمهاجرين".

وأشار الملك محمد السادس إلى أن نجاح هذه المقاربة، على المستوى الوطني، دفع&القادة الأفارقة، إلى تكليفه بمهمة "رائد الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة". كما أفضى أيضا، إلى بلورة "الأجندة الإفريقية للهجرة"، التي تم اعتمادها بالإجماع، في قمة الاتحاد الإفريقي، المنعقدة في يناير 2018.

وأضاف العاهل المغربي "فمن الطبيعي إذن، أن تتوافق رؤيتنا على الصعيدين الوطني والقاري، مع التزامنا على المستوى الدولي، من خلال الميثاق العالمي. فهما يندرجان معا في إطار البحث عن توافقات خلاقة، بين إدارة الحدود، وضرورة صون الحقوق الإنسانية للمهاجرين، وبين الهجرة والـتنمية. كما يسعيان إلى تأكيد المسؤولية الجماعية، والسيادة المسؤولة، والواقعية الإنسانية".