أجمع قانونيون وفاعلون في المجال الحقوقي والجمعوي بالمغرب على ضرورة مراجعة مدونة (قانون) الأسرة لتتلاءم مع الدستور المغربي، بهدف ضمان الحقوق الإنسانية للقاصرات اللواتي يتم تزويجهن قسرًا، في ظل وضع تشريعي يوفر بشكل كبير الأجواء المناسبة لشرعية وجود الظاهرة وتفاقمها.

إيلاف من الرباط: قال المحامي في هيئة الرباط، محمد ألمو، في ندوة بعنوان "تزويج القاصرات بين القانون والواقع" نظمتها جمعية صوت المرأة الأمازيغية، مساء الجمعة، بالرباط، إن مدونة (قانون) الأسرة تركت العديد من الإشكاليات في زواج القاصرات من دون أجوبة، وذلك راجع إلى اعتمادها منهجًا تعدديًا في وضع التشريعات.

أفاد أن الدولة تمارس نفاقًا تشريعيًا في ما يخص مدونة الأسرة، حيث يسجل استبعاد المرجعية الدينية في القانون الجنائي، كتطبيق عقوبة قطع اليد في السرقة والجلد في الزنا، في حين يتم الاستناد إليها في مجموعة من القضايا، منها زواج القاصرات.

وأوضح ألمو أن المسألة تهم مشكلًا تشريعيًا، وليس قضائيًا، بوجود المادة 20 من المدونة التي وضعت لتوجه القاضي للاستجابة لطلب تزويج القاصرات، فضلًا عن الدور السلبي الذي تلعبه النيابة العامة في مجال قضاء الأسرة، حيث تساهم في تعطيل البث في العديد من القضايا.

اعتبر أن الحل يكمن في قانون مدني علماني تقدمي وحقوقي يراعي الخصوصية الثقافية للمجتمع المدني، الذي يعاني من هيمنة عقلية ذكورية تحول دون وضع حد للظاهرة.

المحامية عائشة الحيان

قالت المحامية عائشة الحيان إن المدونة تشمل مقتضيات تمييزية تؤدي إلى انتهاك حقوق النساء، من المادة 20 إلى 22 الخاصة بتزويج القاصرات، حيث إن 99 بالمائة من الطلبات المقدمة للمحاكم تشمل الإناث في مقابل 1 بالمئة للذكور.

أوضحت المتحدثة أن الظاهرة تؤدي إلى استدامة الفقر والهشاشة، حيث تضطر الفتيات لترك دراستهن، مما يصعب معه إيجاد فرص عمل مواتية، بحيث يكن دائمًا تحت سيطرة الرجل.

وانتقدت المحامية الحيان تبني الحكومة خطابين متناقضين، بحيث أشارت في التصريح الحكومي لـ 2017 إلى ضرورة تخفيض الأمية ورفع نسبة تمدرس الفتيات بالقرى، لكنها في المقابل، فوتت فرصة منع زواج القاصرات في قانون مناهضة العنف ضد النساء والخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي أرجأته إلى نقاش عمومي لكونه من القضايا الخلافية.

قال القاضي أنس سعدون إن زواج القاصرات لا يتم في الغالب من أجل تكوين أسرة بهدف حياة مشتركة مستقرة، بل يكون السبب استغلالهن كخادمات أو بهدف رعاية والداي الزوج، مما يدفعهن إلى طلب الطلاق.

عزا قبول طلبات الزواج إلى الرغبة في ضمان حقوقهن التي ستصبح مهضومة في حال تزويجهن من دون حكم قضائي، وهو ما يلجأ إليه الأهل عادة عند الرفض.

خديجة زويتني

من جهتها، اعتبرت الفاعلة الحقوقية نجاة الرازي أن الظاهرة تمثل خرقًا لحقوق الإنسان والدستور واتفاقيات حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب.

زادت قائلة: "هو عنف قائم على النوع الاجتماعي، فعدد طلبات الإذن بالزواج انخفضت بالنسبة إلى الفتيان ما بين 2007 و 2013، فيما ارتفعت بالنسبة إلى الفتيات من 38000 إلى 43416، إضافة إلى ما يخلفه من أضرار جسدية ونفسية وصحية".

الفاعلة الحقوقية نجاة الرازي

تميزت الندوة بعرض فيلم قصير بعنوان "تيتريت نجمة تنطفئ"، يروي قصة فتاة تدعى "تيتريت" تعيش في مدينة أزيلال (وسط المغرب)، منعها والدها من متابعة دراستها من أجل تزويجها من رجل يكبرها يعيش في الخارج، لتكتشف لاحقًا سفره رفقة زوجته الأولى وأبنائه واستقدامها لخدمة والدته، مما جعلها تعيش حالة نفسية صعبة.
&