باريس: مع تطور التشويش والتجسس والهجمات الالكترونية والأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، تتراكم التهديدات في الفضاء لتجد فرنسا نفسها أمام تحدي رفع قدراتها في هذا المجال البالغ الأهمية استراتيجيا والذي تتفاقم عسكرته.

وسيطلق صاروخ سويوز الثلاثاء من قاعدة كورو في غويانا، قمر المراقبة العالي الدقة سي اس -1 الذي سيدشن وضعه على المدار بداية تجديد الوسائل الفضائية العسكرية الفرنسية.

والرهان كبير بالنسبة لكافة جيوش العالم فقد أصبحت الأقمار الصناعية لاغنى عنها للحماية اذ تتيح التعرف على الميدان وجمع المعلومات والمراقبة والابحار.

وكان قائد أركان سلاح الجو الفرنسي الجنرال فيليب لافيني أكد في تشرين الأول/أكتوبر أنه "اذا خسرنا حرب الفضاء، فاننا سنخسر الحرب ببساطة".

وكانت القوى الكبرى في مجال الفضاء (الولايات المتحدة وروسيا والصين) دخلت منذ سنوات عديدة في سباق للسيطرة على الفضاء.

وأشار الرئيس الاميركي دونالد ترامب في آب/أغسطس 2018 الى أنه "على غرار السماء والأرض والبحر، بات الفضاء ميدان قتال"، وينوي ترامب بحلول 2020 اطلاق "جيش الفضاء" كفرع سادس للجيوش الاميركية.

وفي 2007 دمرت الصين أحد أقمارها باستخدام صاروخ، ما أدى الى استعراض مماثل من الولايات المتحدة في العام التالي.

وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي قالت في ايلول/سبتمبر أنه بداية من ذلك "أصبح المجال الخارجي للغلاف الجوي مسرحا لمنافسة بين القوى الكبرى"، مشيرة الى ان قمرا صناعيا روسيا حاول في 2017 التجسس على قمر فرنسي للاتصالات.

وللحفاظ على موقعها كقوة فضائية، يتعين على فرنسا ليس فقط الرد على هذه التهديدات الجديدة بل أيضا التأقلم مع التنامي الكبير للاستثمارات الخاصة في قطاع ظل لأمد طويل حكرا على الدول الكبرى.

والنتيجة أنه اذا كان هناك حاليا نحو 1500 قمر صناعي من أحجام مختلفة تدور حول الأرض، فأن العدد سيزيد بين ستة وسبعة آلاف في غضون عشر سنوات.

-"رهان أمن قومي"-
ووصف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الفضاء بأنه "رهان حقيقي للأمن القومي بسبب النزاعات التي يثيرها" مؤكدا ارادته في أن تكون لفرنسا في 2019 "استراتيجية فضائية للدفاع".

ومن المقرر أن تقدم وزارة الجيوش في الأيام القريبة تقريرا يقترح فرضيات.

وخصص قانون البرمجة العسكرية الفرنسية لفترة 2019-2025 ميزانية بقيمة 3,6 مليارات يورو للدفاع الفضائي ستمكن خصوصا من تمويل تجديد الأقمار الصناعية الفرنسية للمراقبة والاتصالات، واطلاق ثلاثة أقمار للتنصت الكهرومغناطيسي وتحديث ردار المراقبة الفضائية.

وبملياري يورو من الاستثمارات السنوية في مجال الفضاء العسكري والمدني، تبقى فرنسا متأخرة كثيرا عن الطليعة في هذا المجال.

وتنفق الولايات المتحدة حاليا سنويا 50 مليار دولار في هذا المجال والصين عشرة مليارات وروسيا اربعة مليارات، بحسب أرقام مصدرها الحكومة الفرنسية.

وأكدت بارلي أن فرنسا تنوي المضي "أبعد" مما تضمنه قانون البرمجة وذلك مثلا من خلال تركيز كاميرات مراقبة على الاقمار العسكرية الفرنسية التي ستطلق مستقبلا وذلك "لمراقبة الفضاء من الفضاء". كما لم تستبعد الوزيرة "امكانية حيازة قدرات تحرك" وبلغة أخرى أسلحة مضادة للأقمار الصناعية.

بيد أن هذه الخيارات ستفرض ميزانية اضافية مهمة لا يبدو من المرجح توفيرها خصوصا مع الزيادة المقررة للجيوش في السنوات القادمة بغرض رفع النفقات الفرنسية العسكرية الى 2 بالمئة من الناتج الاجمالي في 2025.

ولا يزال الطريق طويلا لحيازة استقلال فضائي حقيقي، بحسب الكسندر بابامانويل مسؤول قطب الدفاع في مركز الابحاث الفرنسي "ليتيري".

وأوضح "في مجال مراقبة الفضاء مثلا، ترتهن فرنسا كثيرا للولايات المتحدة، فنحن لازلنا عميانا في مستوى معين من الدقة" معتبرا أن "باريس مهددة بخفض ترتيبها" في مجال الاستعلامات الفضائية.

وأضاف المحلل أن مسار الميزانية المعلن للفترة 2019-2025 "يحافظ ويدعم موقعنا في الفضاء لكن غير واضح تماما، ان لم يكن غير كاف بالنظر الى طموحنا والرهانات" المطروحة.