بغداد: تضع أمينة بغداد ذكرى علوش نصب عينيها هدف إعادة إعمار مدينتها التي عانت على مدى سنوات من الإهمال والحرب وتوأمتها مع باريس، العاصمة الأخرى التي تديرها امرأة.

لا شك أن المهمة كبيرة، وتقول علوش (60 عاما) إنها تعطي نفسها عشر سنوات لتنشيط العاصمة السابقة للخلافة العباسية، وتصب تركيزها على إعادة تأهيل البنى التحتية وترميم المعالم التراثية. لكن مسألة إيجاد التمويل تقع على عاتقها.

داخل مكتبها الضخم في وسط المدينة، تقول المرأة الوحيدة التي ترأس بلدية عاصمة عربية "عندما استلمت منصبي في العام 2015، كانت البلدية مفلسة، ولا دينار واحد، وقيل لي إن علي أن أدبر التمويل بنفسي".

يأتي التمويل من ضرائب مختلفة وغرامات واستثمارات خاصة. ومن المتوقع أيضا أن تزداد الإيرادات بفضل قانون جديد سيحول إلى البلدية بعض الضرائب التي تجمعها حتى الآن وزارة المالية.

وتوضح علوش أن "ميزانيتنا تبلغ 110 مليارات دينار عراقي (90 مليون دولار)، لكننا نحتاج ضعف ذلك لتشغيل الخدمات الأساسية بشكل صحيح"، مؤكدة أنها "على الطريق الصحيح".

مدينة مترامية الأطراف
ليست المهمة سهلة في مدينة تمتد على مساحة 900 كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها 7,2 مليون نسمة حاليا، في مقابل خمسة ملايين في العام 2015، بزيادة قدرها 45 في المئة بسبب النزوح من الأرياف والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

تقول المهندسة المدنية التي ترأس إدارة تضم 36 ألف موظف إن "أولويتنا هي السير السليم لمياه الشرب، والمجاري وجمع القمامة". وأقر البنك الدولي أخيرا مشروعا جديدا بقيمة 210 ملايين دولار يرمي إلى تحسين نوعية مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي في بغداد التي تعاني من نقص المياه وتفشي الأمراض المعدية.

وتشير علوش إلى أن البنية التحتية للعاصمة دمرت بفعل 13 عاما من الحصار الذي فرض في العام 1991، ثم بالنزاعات الطائفية الدامية التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، وأخيرا باجتياح تنظيم الدولة الإسلامية للبلاد. وأصبحت أحياء عدة مهجورة في المدينة التي يخنقها التلوث بسبب الحركة الجنونية للسيارات.

وتقترح علوش إنشاء طريق دائري جديد، وتوسيع الشوارع، وتطوير وسائل النقل العام، بما في ذلك إنشاء خط مترو، ضمن مشاريع عدة يتضمنها "المخطط الإنمائي الشامل 2030".

وتوضح السيدة العراقية الأنيقة التي يبرز وجهها حجاب أحمر اللون ان "مساحة المدينة ستكبر عشرة كيلومترات من كل جهة"، نتيجة هذا التخطيط.

ثمة أولوية أخرى لدى أمينة بغداد، وهي الأبنية التراثية، إذ ستسعى إلى إعادة تأهيل شارعين يعتبران من الشرايين الرئيسة للعاصمة، وهما رشيد وأبو نواس.

وقد رسم الشارع الأول خلال الحرب العالمية الأولى، وكان ينظر اليه حتى السبعينات على أنه شانزيليزيه بغداد. أما الشارع الثاني فهو ممشى على طول نهر دجلة، ويشكل الرئة الخضراء للمدينة.

الحد من الفساد
في شارع رشيد، يثير مرور أمينة بغداد مشاعر متناقضة. يلومها بعض الباعة المتجولون على إزالة أكشاكهم من الأرصفة، فيما يهنئها آخرون على رغبتها في إعادة الشارع إلى أمجاده. ولإنجاح مساعيها، ترغب علوش في توأمة بغداد مع باريس التي تديرها آن هيدالغو.

وتقول "أتمنى أن يكون هناك لقاء بيننا، وأن أوقع معها مذكرة تفاهم" للتوأمة، و"آمل أن أستفيد من تجربتها في إعادة تأهيل الأبنية والمنطقة التراثية".

وتشير الباحثة سيسيليا بييري المشاركة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى ومؤلفة كتاب "بغداد 1914-1960، بناء عاصمة حديثة" إلى أن "باريس، مثل بغداد، اختبرت التدمير الحضري مع أربع ثورات وثلاث حروب. إنها عاصمة يعرف المتمرسون فيها كيفية إعادة الإعمار".

أما في ما يتعلق بالفساد المستشري في العراق والذي كان سببًا في إطاحة سلفها، تقول علوش إنها "لا تحب" الحديث عنه. وتقول السيدة التي عينها رئيس الوزراء حيدر العبادي، "أفضل القول إن هناك نوعا من الأخطاء. ولكن في كل الأحوال آمل أن يتم في عهدي تقليص هذا الموضوع إلى أقصى ما يمكن، لا سيما باستخدام التكنولوجيا، واختيار الأشخاص المناسبين". وتضيف "إذا اختاروا امرأة (لرئاسة البلدية)، فذلك لأننا نعرف أيضا كيفية تقليل المصاريف".