أصيلة: قال الرئيس السنغالي ماكي صال، إن شعب بلاده يرى في المغرب بلدا مضيافا تربطه به أواصر عديدة، مؤكدا أن قيم التآخي والتآزر بين البلدين تحظى بعناية خاصة من طرف قيادة البلدين الشقيقين منذ عقود.

وأضاف صال الذي حل ضيفا فوق العادة على مدينة أصيلة (شمال المغرب)، في افتتاح الدورة الأربعين لموسمها الثقافي الدولي مساء الجمعة، أن العاهل المغربي الملك محمد السادس "ظل وفيا للتراث الذي يجمع بين البلدين ، ونسعى لنقله للأجيال الصاعدة".

وامتدح الرئيس صال، مدينة أصيلة، معتبرا أن التجربة التي راكمتها على امتداد اربعة عقود في تنظيم موسم أصيلة الثقافي الدولي ، تشكل مصدر إلهام.

وقال صال إن أصيلة بتجربتها "تعطينا الرغبة والحماس والقوة نحو تحقيق الاندماج في المستقبل، داعيا إلى العمل على المزيد من والتنسيق وتكثيف الجهد بين دول القارة من أجل تحقيق المزيد من الاندماج والوحدة التي تخدم شعوب القارة.

وقال الرئيس السنغالي انه متفائل بشأن مستقل القارة الأفريقية، وزاد قائلا "يجب أن نستعرض الوضع ونرى أين نحن من طريق الوحدة والتكامل، هناك من يتشاءم ، وهناك من يتفاءل، وأنا أتحلى بالتفاؤل بمستقبل أفريقيا".

واشار صال إلى أن ما عاشته القارة الأفريقية من تجارب "مقلقة لا أعتقد أن قارة أخرى عرفتها"، مؤكدا أنه على الرغم من ذلك " لم نتنازل عن تحقيق مقومات التكامل الأفريقي بين بلدان القارة"، لافتا إلى أن حركية التضامن بين البلدان نجمت عنه استقلال الدول من الاستعمار وإحداث منظمة الوحدة الأفريقية.

وأشار الرئيس السنغالي إلى أن اختيار منتدى أصيلة لأفريقيا ضيف شرف وإثارة موضوع التكامل بين دول القارة، أمر مهم يأتي في سياق عودة المغرب للاتحاد الافريقي، واستدرك قائلا: "المغرب لم يسبق له أن غادر الوحدة الافريقية، بل كان موجود منذ العمل التمهيدي لمشروع وحدة أفريقيا"، منوها بالأدوار التي يقوم بها في القارة السمراء بقيادة الملك محمد السادس.

واعتبر الرئيس السنغالي أن السلام "لا يسود القارة الأفريقية برمتها"، مبرزا أن هذا التحدي "يدفعنا للمزيد من العمل والاجتهاد للعمل على تحقيق التنمية والاندماج الاقتصادي"، لافتا إلى أن المبادلات التجارية البينية بين دول القارة لا تشكل إلا "15 بالمائة من مجموع المبادلات التجارية".

وأفاد صال بأن المصاعب التي تواجهها القارة "لا بد من التغلب عليها"، مطالبا بضرورة المضي قدما في ترسيخ شراكة جديدة لتنمية أفريقيا بحيث يكون التكامل في صلب العمل القاري، كما أكد على أهمية "تقوية التعاون على مشاريع مشتركة عابرة للحدود وتحقيق الاندماج الجمركي".

وزاد الرئيس السنغالي قائلا: "علينا أن نتغلب على عدم الثقة والشكوك حتى نتغلب عن القيود التجارية وحرية تنقل الأشخاص"، لافتا إلى ان تحقيق هذا الهدف يستدعي "التنازل عن جزء من السيادة الوطنية للدول".

من جهته، عبر محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة ووزير خارجية المغرب الأسبق، عن فخره واعتزازه لبلوغ المنتدى دورته الأربعين، حيث قال: بتواضع كبير، نفتخر أننا استطعنا الاستمرار في تنظيم هذه التظاهرة الثقافية العالمية على مدى أربعة عقود كاملة رغم كل ما يواجه عادة مثل هذه الرهانات الثقافية الكبرى من صعاب وإشكالات". 

وأضاف بن عيسى في كلمة ترحيبية ألقاها بالمناسبة، بأن مدينة أصيلة وسكانها "استكملوا أربعين سنة على طريق إقامة جسور التواصل والتفاهم والتعاون بين الشعوب من خلال مفكريها ومثقفيها ومبدعيها الذين قدموا إليها وشاركوا في فعاليات الموسم عاما بعد عام".

واستحضر أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة عددا من الرواد الأفارقة الذين "أناروا لنا الرؤى، وشحذوا رغبتنا لتهييء هذه البقعة الطيبة، والمراهنة عليها لإخصاب ما أصبح متداولا في المحافل الفكرية بحوار الثقافات والحضارات"، مذكرا بإسهامات الرئيس السنغالي الراحل والشاعر، ليبولود سيدار سنغور، بمعية نخبة من المفكرين والفنانين والأدباء، ورجالات الدولة والسياسة وخبراء التنمية والإعلام من كل أنحاء أفريقيا.

وزاد بن عيسى موضحا أن الأفارقة في موسم أصيلة الثقافة الدولي "نجحوا في تحطيم جدار الصحراء الكبرى الوهمي"، مشددا على أن التظاهرة الثقافية التي يشرف عليها استبعدت من قاموسها عبارة "أفريقيا جنوب الصحراء"، معتبرا أن العاهل المغربي الملك محمد السادس "فسح أمام هذه الرؤية آفاقا رحبة على العديد من الأصعدة"، وتجسدها الرؤية الملكية ب"إرادة راسخة ومتجددة وأمل كبير في استنهاض قارتنا".

واعتبر بن عيسى أن السنغال الشقيق للمغرب يمثل "امتدادا مكملا لعمقنا الانساني الروحي والثقافي، قبل الاقتصادي"، وأضاف أن البلدين يشكلان "نموذج الاندماج والتمازج، بأمانة الوشائج التي تجمعهما، وهي المعبر الإنساني والثقافي الواصل بينهما".

من جهته ، اعتبر ناصر بوريطة، وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي ، أن حضور الرئيس السنغالي ماكي صال لافتتاح موسم أصيلة الثقافي الدولي يضفي حلة خاصة على الاحتفال بالذكرى الأربعين للموسم"، وأضاف أن هذا الحضور "عربون آخر على العلاقات الأخوية التاريخية والمتميزة بين المملكة المغربية وجمهورية السنغال الشقيقة".

وأكد بوريطة أن العلاقات المغربية - السنغالية "علاقات ثابتة من حيث عمقها وطبيعتها ومضمونها"، معتبرا أن استقبال السنغال "البلد الأفريقي الأصيل والصادق والوفي يحتل مكانة خاصة لدى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي اجرى 8 زيارات رسمية منذ اعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين، وهو ما لم يحظ به أي بلد آخر".

وزاد وزير الخارجية المغربي مخاطبا رئيس السنغال "إن حضوركم يا فخامة الرئيس هو مناسبة لتأكيد الاعتزاز بمواقفكهم الأفريقية الصادقة والثابتة خدمة لقضايا ومصالح القارة"، كما عد حضوره اعتراف بدوره المحوري في الإندماج الأفريقي.

واعتبر بوريطة الرئيس السنغالي نموذجا للجيل الجديد من القادة الأفارقة الذين يجعلون من خدمة القارة وقضاياها العادلة أحد أولوياتهم الرئيسية"، وذلك في إشادة واضحة بضيف المغرب الكبير في موسم أصيلة الثقافي الدولي.

وشدد بوريطة على القول ان التكامل الأفريقي يمثل أحد أهم الملفات التي ينبغي الاشتغال عليها، مؤكدا على أن المغرب متفائل بالمستقبل ، يخاطب أفريقيا ويرى فيها مستقبلا واعدا، ويؤكد أن عليها ان تثق بنفسها لتحقق التكامل من أجل تجاوز الصعاب والتحديات.

وأفاد بوريطة بأن الإرادة السياسية للدفع بالقارة نحو تحقيق الاندماج بين بلدانها "غير كافية"، وشدد على القول انه برغم ذلك "أمامنا مجال واسع للتحسين"، ودعا في الآن ذاته، إلى ضرورة تحلي بلدان القارة بالواقعية في إطار مساعي التكامل والاندماج.

ًمن جهته، أكد وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج، أن ما أتاحته مواسم أصيلة من نقاشات حية وغنية بكل اللغات وما وفرته من رصيد فكري زاخر "عمل رائد يؤكد عمق الرسالة الإنسانية النبيلة، التي جعلت من أصيلة جسرا بين الشرق والغرب، من أجل تفاهم أفضل وحوار أمثل بين ثقافات العالم".

ونوه الأعرج بالموسم الثقافي الدولي لأصيلة وبالقائمين عليه، معتبرا أن هذه التظاهرة الثقافية الكبرى "لا يخفى على أحد أثرها الإيجابي الكبير، في تعزيز جاذبية وإشعاع الصورة الثقافية للمغرب، داخليا وخارجيا".

وزاد وزير الثقافة مادحا المدينة وعرسها الفكري والثقافي الفريد، حيث قال: "مدينة اتاحت لها مواسمها الأربعون أن تكون معبرا للتواصل والتلاقح، بين أجيال وثقافات وإبداعات وشخصيات وازنة طبعت مسارات الفكر والإبداع، وعوالم السياسة والديبلوماسية، بل وتاريخ الأوطان والشعوب". 

ودعا الأعرج إلى ضرورة الاشتغال على الثقافة انطلاقا من الغنى والتنوع الثقافي والحضاري الذي يميز القارة الأفريقية، والذي يحوي "طبقات فنية وثقافية كفيلة بصناعة ثقافية إبداعية خلاقة، وكفيلة بانبثاق إفريقيا موحدة"، على حد قوله