بحثًا عن حلول شرعية، سعى عدد من الأزهريين في مصر إلى إصدار مجموعة فتاوى دينية للحدّّ من ظاهرة تزايد الطلاق بين الأزواج، ويأتي ارتفاع نسبة الطلاق كأبرز الظواهر داخل المجتمع المصري، وتشير الإحصائيات إلى أن مصر تتصدر أعلى نسبة طلاق في العالم.

إيلاف من القاهرة: يعاني المجتمع المصري من ظواهر اجتماعية سلبية على مدار السنوات الماضية نتيجة لتدهور الأحوال الاقتصادية وغلاء المعيشة، ويأتي ارتفاع نسبة الطلاق من أبرز الظواهر داخل المجتمع المصري، التي فشلت الحكومة والمؤسسات الدينية والاجتماعية في مواجهتها عبر السنوات الماضية، وبحثًا عن حلول شرعية سعى عدد من علماء الأزهر والمؤسسات الدينية المهمة إلى إصدار مجموعة من الفتاوى الدينية لمواجهة ظاهرة تزايد حالات الطلاق بين الأزواج المصريين، في الوقت الذي يستعد فيه البرلمان المصري لمناقشة مشروع قانون الأحوال الشخصية، والذي انتهي الأزهر من إقراره، ويتضمن القانون الجديد إجراءات صارمة للحدّ من الطلاق داخل الأسرة المصرية.

أرقام مخيفة
وبحسب أحدث تقرير رسمي صادر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغ إجمالي حالات الطلاق 207 آلاف&و633 حالة، منهم 198 ألفا و269 شهادة طلاق، وسجلت أحكام الطلاق 9364 حكمًا في عام 2017 مقابل 6305 أحكام طلاق عام 2016 بنسبة زيادة قدرها 48.5%.

وأشار التقرير إلى أن هناك 7199 حالة طلاق بسبب الخلع، مسجلة أعلى نسبة للطلاق، و1072 حالة طلاق بسبب حالات الإيذاء والعنف، و1083 حالة لأسباب أخرى.

أسبابه ومعدلاته
كما رصد 34 حالة بسبب غياب الزوج، و9 حالات طلاق بسبب الأمراض، و9 حالات طلاق بسبب حبس الزوج، و3 حالات طلاق بسبب الخيانة الزوجية، وبلغ متوسط سن الزواج للمرأة عام 2017 (32 سنة و7 أشهر) مقابل 39 سنة للرجل.

وأشار التقرير إلى أن أعلى معدل للطلاق في الحضر بـ2.7% مقابل 1.6% في الريف، وتصدرت محافظة القاهرة بأعلى نسبة في معدلات الطلاق بـ4%، تليها محافظة الإسكندرية بـ 3.6%.

سنوات الزواج
وأوضح التقرير أن عدد شهادات الطلاق للرجل والمرأة في سنّ الأقل من 18عامًا بلغ 338 شهادة، حيث بلغت شهادات الطلاق للزوجين اللذين قضيا معًا أقل من عام 29 ألفا و663 حالة، وسجلت حالات الطلاق للزوجين اللذين قضيا معًا عامًا 21 ألفا و70 حالة، والذين قضوا عامين 13 ألفا و959 حالة. أما الزوجان اللذان قضيا معًا 20 عامًا فبلغ عدد حالات الطلاق بينهما عام &2017 (13 ألفا و341 حالة)، والرجل والمرأة في سن الأقل من 20 سنة 5949، والأقل من 25 سنة 10 آلاف و319 حالة.

طلاق المدمن
قامت لجنة الفتوى في الأزهر باستحداث نظام جديد للحدّ من الطلاق، وهو اعتماد عدم وقوع يمين الطلاق والزوجة حائض شرط أن يكون لديهم أبناء، كما رفضت وقوع يمين الطلاق والزوج في حالة نفسية لا تسمح له بإدراك ما يقوله أو يفعله، إضافة إلى الحالات النفسية كوجود خلل في الذاكرة أو غيرها من الأمراض، كذلك في حالة قيام الزوج بحلف يمين الطلاق على زوجته، وهو تحت تأثير تناول المخدرات أو مواد مسكرة.

شهادة صحية
كما أثار الداعية الإسلامي خالد الجندي، جدلاً فقهيًا من خلال مطالبته بضرورة إصدار "شهادة صحية" للزوجة قبل الطلاق، على غرار التي يتم عملها قبل الزواج للزوجين، على أن يعطل الطلاق في حال وجود حمل أو حيض أو خلافه، وبالتالي يمكن أن يراجع الزوج والزوجة نفسيهما، مبررًا أن هذا الأمر سيجنّب عددًا كبيرًا من الأسر المصرية التفكك وعدم الاستقرار في حالة انفصال الزوجين.

وذكر الجندي أن الطلاق في الإسلام ينقسم إلى قسمين: طلاق سني، وطلاق بدعي. السني هو أن يطلق الرجل زوجته في طهر لا جماع فيه حتى تنقضي عدتها. أما الطلاق البدعي فهو أن يطلقها في ثلاث مرات أو لفظًا بالثلاثة مرة واحدة أو في حالة أن يقوم الرجل بتطليق زوجته في حيض وفي طهر مسها فيه، بمعنى أن تكون بدأت المرأة الطهر الذي هو بعد الحيض، وقام الرجل بمجامعتها، ثم طلقها في هذا الطهر.

أضاف: "الطلاق البدعي عند الفقهاء فيه رأيان، الأول أنه يقع والزوج يقع عليه الإثم، والثاني أنه لا يقع، لأنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب: "فأمره أن يراجعها، فإن شاء أمسك، وإن شاء فارق".

طلاق الغاضب
كما أفتت أمانة الفتوى في دار الإفتاء المصرية بعدم وقوع يمين طلاق الزوج، وهو في حالة غضب شديد. وحذرت أمانة الفتوى من الإقدام على إنهاء العلاقة الزوجية إلا عند تعذر استمرار الحياة بينهما، فالطلاق من غير عذر من أبغض الحلال؛ ولهذا اشترط في المطلّق أن يكون متزنًا في وقت الطلاق، أي لا يكون مجنونًا ولا معتوهًا ولا مكرهًا ولا نائمًا ولا غضبانًا غضبًا شديدًا يخرجه عن إدراكه وإملاكه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِى الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رواه ابن ماجة، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ».

أضافت أمانة الفتوى أنه إذا كانت حالات القهر والغيظ والغضب مانعةً له عن الإملاك؛ بحيث لم يستطع منع نفسه عن التلفظ بكلمة الطلاق؛ حيث الإغلاق هو الغضب الشديد الذي يخرج الإنسان عن إدراكه وإملاكه لما يقول، وعليه لا يكون الطلاق المسؤول عنه واقعًا، وتبقى الحياة الزوجية مستمرة بينهما.

الطلاق الشفهي
وكانت قد نشبت أزمة كبيرة بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والرئيس عبد الفتاح السيسي، عقب رفض هيئة كبار العلماء في الأزهر اقتراح الرئيس بتوثيق الطلاق الشفهي، حيث اعتبر الأزهر عملية التوثيق مخالفة للقرآن والسنة النبوية، وتوثيق الطلاق الشفهي اعتبرته الحكومة المصرية الحل العملي لمواجهة ظاهرة تزايد أعداد الطلاق بين الأزواج، وخاصة بين حديثي العهد بالزواج.

حلول شرعية
من جانبه، قال الدكتور إبراهيم معراج، عضو المجلس الأعلى للأزهر: "إن الشرع وضع حلولًا عملية للحدّ من ظاهرة الطلاق في مصر، لو تم تنفيذها ما وصلنا إلى تلك الأزمة". ومن بين تلك الأحكام أنه يحرّم على الزوج أن يطلق زوجته في فترة الحيض، موضحًا أن الحكمة من ذلك أن المرأة تكون في حالة نفسية سيئة خلال فترة الحيض، كما أخبر الأطباء، فيجعل مزاج المرأة غير مهيأ لأن تتعامل مع شؤون الحياة الزوجية العادية، فتكون دوافع الطلاق أكثر في تلك الفترة.

أضاف &الدكتور معراج أن الشرع أيضًا طالب الأزواج أن يكتفوا بالطلاق طلقة واحدة، حتى تكون لديهم الفرصة لمراجعة زوجاتهم إذا صفى الأمر بينهما، ومن أحكام الطلاق أن تظل المرأة في بيتها فترة العدة مع زوجها، لأن علاقة الزواج لا تزال قائمة.

وأشار عضو المجلس الأعلى للأزهر لـ"إيلاف" أن كتب الفقه توجد فيها "حلول شرعية" قد يلجأ إليها العلماء للحفاظ على كيان الأسرة، لأن الزواج هو عقد ثبت بيقين، ولا ينبغي أن يُرفع إلا بيقين؛ لذا نقوم بالتحقيق في المسألة.


&
&
&