"شهود بوتين" و"انتخاب روسيا" وثائقيان يتناولان صعود فلاديمير بوتين إلى السلطة وحكمه، إيمانًا منهما بأن الفن الحقيقي يُصنع عندما يمتزج الفنان بقوة التاريخ.

لميس فرحات من بيروت: تشير أشهر المقاطع الأدبية في تاريخ الأدب الروسي إلى أن الدراما المتخيلة لطالما استنتجت من الماضي لتتوقع حوادث المستقبل. أبرز مثال على ذلك كتابات المؤرخ بوشكين عن "زمن الاضطرابات" في أوائل القرن السادس عشر في عام 1825 الذي شهد "ثورة الديسمبريين" بقيادة نحو 3000 جندي، احتجاجًا على تولي القيصر نيقولا الأول العرش، وتبعها ما يعرف بـ "عصر القمع".&

فيلمان وثائقيان

وفقًا لـ "إكونوميست" البريطانية، تمر كل دولة بمثل هذه المحطات حيث تبدأ حقبة وتنتهي، ثم يتراجع العصر الحالي إلى الماضي الذي يبدو بدوره كأنه الحاضر أو المستقبل.

في روسيا، كما في أي مكان آخر، يستشعر الفنانون هذه التحولات قبل أن تكون مرئية للعين المجردة. تناولت "إكونوميست" طرح اثنين من الأفلام الوثائقية الجديدة في روسيا، يحملان إشارات مفادها أن روسيا تمر بمرحلة مضطربة قد تشكل نقطة انعطاف أخرى، إسوة بالحةادث التاريخية التي عاشتها البلاد.

يناقش الوثائقي "شهود بوتين" (Putin’s Witnesses)، من إخراج فيتالي مانسكي، لحظة وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السلطة؛ في حين يسلط وثائقي الكسندر راستورغيف "انتخاب روسيا" (Electing Russia) الضوء على المرحلة الحالية من عهد بوتين.&

هذان العملان الوثائقيان مشبعان بالإشارات التاريخة. وقد أحدثت تغييرات جذرية في حياة مخرجيها الإثنين. ذهب مانسكي إلى المنفى الطوعي في لاتفيا، بعد ضم شبه جزيرة القرم، بينما اغتيل راستورغيف في ظروف غامضة في يوليو الماضي، في أثناء تصوير فيلم عن المرتزقة الروس في جمهورية أفريقيا الوسطى.

قبل موته بفترة وجيزة، قال راستورغيف إن "الفن الحقيقي يُصنع عندما يمتزج الفنان بقوة التاريخ... إنه أمر غامض وغير مفهوم".
&
هل أنت سعيد؟

تبدأ حوادث وثائقي "شهود بوتين" عشية الألفية الجديدة في منزل مانسكي، ببث تلفزيوني لإعلان بوريس يلتسين استقالته من منصبه وتعيين بوتين رئيسًا بالإنابة. وسرعان ما تقول زوجته: "أرغب في الإنفجار بالبكاء. اليد القوية التي يحبها الناس للغاية وصلت إلى السلطة".

كان الزوج في ذلك الوقت رئيسًا للأفلام الوثائقية في التلفزيون الروسي الرسمي، وكلفته عائلة يلتسين بتقديم صورة إنسانية عن بوتين في أثناء حملته الانتخابية للرئاسة. يظهر بوتين في الوثائقي كأنه ممثل يلعب دورًا مساندًا ليلتسين.

ليلة الانتخابات في مارس 2000، وبينما ينقل التلفزيون النتيجة، تسأل تاتيانا دياتشنكو، ابنة يلتسين، أباها: "أبي، هل أنت سعيد؟". يجيبها: "تابعت 20 شخصًا على مدار أربعة أشهر واستقريت على هذا الشخص".

لكن الانتصار يتحول سريعًا إلى مرحلة مريرة وسيئة. يحدق يلتسين في العدم بصمت، كأنه يلمح إلى مستقبل ما زال خفيًا عن مواطنيه، وربما أيضًا عن بوتين.

يُظهر الوثائقي بعدها بوريس نيمتسوف، وهو سياسي ليبرالي ومنافس سابق ليلتسين، وهو يقول: "تبعنا عاطفتنا وصوّتنا من دون أن نعرف ما سيحدث لنا غدًا". في عام 2015، اغتيل نيمتسوف تحت جدار الكرملين.

قتل قبل أن ينهيه

بعد أشهر، يصوّر مانسكي بوتين سارًا عبر ساحة مظلمة داخل الكرملين، ويفكر في كيفية الرحيل عن الحكم. يسير موكبه في طرقات موسكو الفارغة، يقول: "آمل أن أتمكن في يوم من الأيام من العودة إلى حياة طبيعية. حياة السلطة لا تلهمني".

يبدأ الوثائقي "انتخاب روسيا" بمشهد يسلط الضوء على ما أصبحت عليه روسيا تحت حكم بوتين. إنه يوم 12 يونيو 2017 أي يوم استقلال روسيا. في بداية الشارع فرسان من العصور الوسطى، القياصرة والقوزاق، وجنود الحرب العالمية الثانية يرقصون على أنغام الفالس. في الطرف الآخر من الشارع، يتظاهر سكان موسكو الحديثة وراء حواجز الشرطة.

راستورغيف يصوّر موجة بشرية كاسحة من المتظاهرين الشباب يصرخون بشعارات: "نحن القوة!" و"يسقط القيصر!". الضباط والمتظاهرون تقريبًا في السن نفسه. تبدأ الشرطة في ضرب المتظاهرين بالهراوات، وتعتقل الناشطين عشوائيًا.

فوّض التلفزيون الألماني راستورغيف بتصوير وثائقي "انتخاب روسيا"، وكان ينوي صنع نسخة محلية تعطي مساحة أكبر لوجوه المتظاهرين لإعطائها بعدًا أكثر إنسانية، وليثبت أن هذه التحركات ستكون نقطة تحول في التاريخ الروسي. لكن راستورغيف قتل قبل أن ينتهي من ذلك.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:

https://www.economist.com/books-and-arts/2019/01/12/the-beginning-and-fraying-of-vladimir-putins-reign