بالتزامن مع معرض الكتاب الدولي للنشر والتوزيع المقام حاليًا في مدينة الدار البيضاء، صدر أخيرًا كتاب جديد بعنوان " الكاريكاتير في المغرب" بدعم من وزارة الثقافة والاتصال، ما يعني أن الدولة في صدد التصالح مع هذا اللون الفني الساخر، بعدما تجاهلته في الماضي لسنوات عدة، بل وحاربته أحيانًا، من خلال منعه أو محاكمة بعض رساميه في الصحافة.
&
إيلاف المغرب من الرباط: الكتاب حمل توقيع إبراهيم الحيسن، وهو مبدع غزير الإنتاج، ويجمع بين العديد من الصفات، فهذا الشاب الذي لوّحت شمس الصحراء ملامح وجهه، باحث مجتهد، وناقد فني، وممارس للرسم التشكيلي، ولا يكاد يمر عام من دون أن يظهر له أكثر من إصدار جديد في مختلف التعبيرات الثقافية والتراثية والإبداعية.

لعل أقرب دليل على ذلك، هو إصداره لثلاثة كتب خلال السنة المنصرمة، هي "الاستشراق الفني في المغرب"، و"الألعاب الشعبية عند مجتمع البيضان"، و"الكاريكاتير في المغرب"، إضافة إلى مؤلف مشترك بعنوان "ثقافة البيضان في مرآة الرحالة والمستكشفين"، نشره مركز الدراسات والأبحاث الحسانية في مدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء المغربية.

في مقدمة كتاب "الكاريكاتير في المغرب، السخرية على محك الممنوع"، التي كتبها الصحافي بوشعيب الضبار، أحد المهتمين بهذا الفن الساخر في الصحافة المغربية، تنويه بالجهد الذي بذله المؤلف من أجل إخراجه إلى حيز الوجود، في شكل جميل ومضمون متميز.
&
الغوص بين تلافيف الذاكرة
مما جاء في المقدمة "أن الحيسن هنا، وبحكم سبره لأغوار الثقافة والفنون، وإبحاره في شتى أصناف المعرفة، كما تشهد بذلك مؤلفاته الغزيرة، يقوم ببحث جاد، فهو يغوص بين تلافيف ذاكرة فن الكاريكاتير، ويتتبع مساراته ومسالكه، منذ نشأته حتى الآن، ويستحضر فرسانه وناسه في المغرب، ثم يصوغ الخلاصات بأسلوبه الرصين الذي يتسم بالعمق والبساطة، ويجمع بين المعلومة والتحليل، وهذه خاصية إيجابية، قلما تتوافر للكثيرين من حملة الأقلام".

الحقيقة أن من يتصفح هذا الكتاب الذي حمل غلافه، في اختيار فني موفق، رسمًا معبّرًا للفنان العربي الصبان، أحد رواد الكاريكاتير في المغرب، سوف يلمس من دون شك، الجهد الذي بذله المؤلف في تتبع تطور هذا الفن، رغم محدودية وقلة المصادر التي تؤرّخ بشكل دقيق للإرهاصات والبدايات الأولى لظهوره كفن مستقل بذاته، واجه الكثير من المصاعب، قبل أن يكتسح اليوم غالبية الصحف اليومية، التي تكرّس له أحيانًا صفحات خاصة، اعتبارًا لقيمته الفنية والإعلامية في التعبير عن تفاعل الرأي العام مع العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فن حديث العهد في المغرب
يتضمن الكتاب ثلاثة فصول، كما بسطها المؤلف في التوطئة، يتمحور الفصل الأول منها حول "السخرية والسخرية الأيقونية" كمفاهيم اشتغلت عليها حقول ومباحث أدبية وفنية عديدة.
&
يتعلق الفصل الثاني من الكتاب بفن الكاريكاتير كمصطلح وإبداع احتل مكانة مرموقة داخل نسيج التعبيرات التشكيلية الهادفة، وذلك بالاستناد إلى الأسس التاريخية لهذا الفن ومرجعياته البصرية المتنوعة، عبر الكاريكاتير السياسي والاجتماعي وغيرهما.
&
يعتبر فن الكاريكاتير حديث العهد في المغرب، وفق ما جاء في الكتاب، فقد نشأ وسط ظروف سياسية واجتماعية حساسة ساهمت في مصادرته ومنعه، لاسيما في اتصاله بالصحافة المكتوبة خوفًا من أي دور تحريضي قد يلعبه.
&
أما الفصل الثالث فيسعى إلى التعريف بتجربة الكاريكاتير في المغرب عبر الصحافة قديمًا وحديثًا، من خلال استحضار الخطوات والمبادرات الأولى للرواد، الذين كان لهم شرف التأسيس، وما تبعهم من جيل شاب جديد يواصل حمل المشعل بعزيمة وإصرار &رغم بعض التحديات والإكراهات التي ترتبط أحيانًا بحرية التعبير، أو بالاعتبار المادي والمعنوي، الذي يجب أن يحظى به رسام الكاريكاتير، تحفيزًا له على مواصلة العطاء، في أفق "إعطائه جميع حقوقه المشروعة"، كما كان ينادي بذلك الراحل محمد عليوات، المشهور بلقبه الفني "حمودة"، رسام صحيفة الاتحاد الاشتراكي سابقًا.
&
لتفادي تلك الإكراهات، يحفل الكتاب بمجموعة من التوصيات والتدابير التي تصب كلها في المنحى الذي يخدم فن الكاريكاتير، ويفتح أمامه المجال واسعًا من أجل مزيد من التبلور والتطور.

لإعطاء لمحة عن فن الكاريكاتير، قديمًا وحديثًا، مرورًا بكل مراحله، حرص المؤلف في ختام الكتاب على &نشر "ملزمة فنية" تضمنت العديد من الرسومات الساخرة والملصقات وأغلفة الكتب لمختلف الأسماء والريشات التي سجلت حضورها في هذا الميدان بسخريتها اللاذعة التي لا ترحم أي أحد انحرف عن جادة الصواب.