دمشق: تحقق قوات سوريا الديموقراطية الأربعاء تقدماً بطيئاً في الكيلومترات الأخيرة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا في مواجهة مقاومة شرسة للجهاديين الذين تواصل عائلاتهم الفرار من المنطقة.

وتخوض قوات سوريا الديموقراطية منذ أيلول/سبتمبر عملية عسكرية ضد التنظيم في ريف دير الزور الشرقي. وتمكنت من طرده من كل القرى والبلدات، ولم يعد موجوداً سوى في بقعة صغيرة لا تتجاوز أربعة كيلومترات مربعة تمتد من أجزاء من بلدة الباغوز وصولاً إلى الحدود العراقية.

وبدأت قوات سوريا الديموقراطية السبت هجومها الأخير ضد الجهاديين المحاصرين بهدف إنهاء "خلافة" أثارت الرعب طوال السنوات الماضية، بعد توقف استمر أكثر من أسبوع للسماح للمدنيين بالخروج.&

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس "التقدم بطيء كون المعارك تدور في أراض زراعية مكشوفة، ويستخدم تنظيم الدولة الإسلامية القناصة والانتحاريين، فضلاً عن انتشار الألغام".

ودفعت العمليات العسكرية وفق ما شاهدت مراسلة فرانس برس الأربعاء نحو 300 شخص من النساء والأطفال، غالبيتهم عراقيون، الى الخروج من منطقة المعارك، في رحلة بدأوها بعد ظهر الثلاثاء وتخللها السير على الأقدام لنحو أربعة كيلومترات وقضاء ليلتهم في العراء.

وانتظر هؤلاء في مجموعات صغيرة الأربعاء في منطقة الفرز التي نقلتهم إليها قوات سوريا الديموقراطية بعد بلوغهم أولى مواقعها قرب الجبهة.

وقالت أم أيهم لفرانس برس "حاولت الحصول على بطانية لأولادي لكن لم تكن متوفرة".&

وأضافت "نمنا في العراء، بعض الأشخاص أحرقوا ما وجدوه على الأرض من البلاستيك وحفاضات الأطفال. كنت أقترب منهم للشعور ببعض الدفء".

تدقيق وتفتيش

وشاهدت مراسلة فرانس برس اقتياد قوات سوريا الديموقراطية 15 شخصاَ من الخارجين بعد تفتيشهم للتوسع في التحقيق معهم.

وفي نقطة أخرى، كان عناصر من التحالف الدولي بقيادة أميركية والداعم لهجوم قوات سوريا الديموقراطية، يشرفون على عمليات تفتيش مجموعة اخرى. ووقف أربعة رجال من الفارين في خط منتظم وخامس على كرسي نقال، بينما تم نقل آخر لاجراء فحص لشبكة العين، وهي تقنية تستخدم للتعرف على الجهاديين المحتملين.

ويطوق عناصر من التحالف مجموعة اخرى من الرجال وهم راكعون على الأرض بعد الانتهاء من تفتيشهم.

ويخضع الخارجون من نقاط سيطرة التنظيم، في منطقة فرز مخصصة لهم، لعملية تفتيش وتدقيق أولي في هوياتهم من قبل قوات سوريا الديموقراطية قبل نقل المشتبه بانتمائهم الى التنظيم إلى مراكز تحقيق خاصة، والمدنيين وعائلات التنظيم الى مخيمات في شمال شرق البلاد.

وقدرت قوات سوريا الديموقراطية عدد الخارجين منذ ساعات الليل بالمئات، في وقت أحصى المرصد السوري لحقوق الانسان مغادرة نحو 1500 شخص على الأقل خلال الساعات الـ48 الأخيرة، غالبيتهم من عائلات التنظيم وبينهم مواطنون أجانب من جنسيات مختلفة روسية وتركية وفرنسية وشيشانية.

ودفعت العمليات العسكرية أكثر من 38 ألف شخص الى الخروج من آخر مناطق سيطرة التنظيم منذ مطلع كانون الأول/ديسمبر، غالبيتهم نساء وأطفال من عائلات الجهاديين، بينهم أكثر من 3400 مشتبه بانتمائهم الى التنظيم، وتم توقيفهم، وفق المرصد.

ولا تزال الاشتباكات العنيفة مستمرة عند أطراف بلدة الباغوز، التي تقصف قوات سوريا الديموقراطية مواقع الجهاديين فيها بالقذائف الصاروخية، كما تستهدفها غارات التحالف الدولي.

وأسفر هجوم مضاد لتنظيم الدولة الإسلامية الإثنين عن مقتل 12 عنصراً من قوات سوريا الديموقراطية، وفق المرصد.

وأكد مدير المركز الاعلامي لقوات سوريا الديموقراطية مصطفى بالي لفرانس برس "استعدنا النقاط التي خسرناها في الهجوم المعاكس لداعش قبل يومين، وتقدمنا أكثر وسيطرنا على نقاط اضافية".

منذ بدء الهجوم في العاشر من أيلول/سبتمبر، وثّق المرصد مقتل 679 من قوات سوريا الديمقراطية مقابل 1306 من التنظيم المتطرف. كما تسببت المعارك والقصف بمقتل 417 مدنياً بينهم 151 طفلاً.

عمليات "تطهير"

وإلى جانب الألغام والقناصة، تجد قوات سوريا الديموقراطية أمامها عوائق أخرى مثل الأنفاق التي حفرها الجهاديون أو وجود أسرى من مقاتليها لدى التنظيم المتطرف.

وأوضح المتحدث باسم التحالف الكولونيل شون راين لفرانس برس الثلاثاء أن "التقدم بطيء ومنهجي مع تحصن العدو بشكل كامل، واستمرار مقاتلي التنظيم في شن هجمات معاكسة"، موضحاً في الوقت ذاته أن التحالف يستمر في "ضرب أهداف للتنظيم كلما كان ذلك متاحاً".

ومني التنظيم الذي أعلن في العام 2014 إقامة ما سماه "الخلافة الاسلامية" على مساحات واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور تقدر بمساحة بريطانيا، بخسائر ميدانية كبرى خلال العامين الأخيرين. وبات وجوده حالياً يقتصر على مناطق صحراوية حدودية بين البلدين.

وبعد انتهاء المعارك، يبقى أمام قوات سوريا الديموقراطية وحلفائها وفق راين "اجراء عمليات تطهير" بعدما "تعمّد التنظيم ترك عبوات مفخخة خلفه لقتل المدنيين الأبرياء".

وتوقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاثنين الفائت استعادة المناطق التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم المتطرف خلال أسبوع. وقال أمام التحالف الدولي في واشنطن إنّ "الجنود الأميركيّين وشركاءنا في التحالف وقوّات سوريا الديموقراطيّة حرّروا على الأرجح كامل المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق".

وفاجأ ترمب في 19 كانون الأول/ديسمبر حلفاءه الغربيين والمقاتلين الأكراد بإعلانه قراره سحب جميع قواته من سوريا والتي يقدر عددها بنحو ألفي جندي.

وأبدى الأكراد خشيتهم من أن يسمح القرار الأميركي لتركيا بتنفيذ تهديداتها بشن هجوم على مواقع سيطرتهم، حيث تخشى أنقرة أن يقيموا حكماً ذاتياً قرب حدودها.