تساءل سوريون عن توقيت توقيع بيان يقف مع وليد جنبلاط في مواقفه ضد نظام بشار الأسد، ورأى بعضهم أن الموضوع يتعدى الرغبة في الوقوف مع زعيم لبناني ليسجل موقفًا متجددًا مع الثورة السورية.

إيلاف: قال الروائي والإعلامي إبراهيم الجبين، الذي كتب ونظم حملة التوقيع على البيان، في لقاء مع "إيلاف"، إنه "قبل أزمة تشكيل الحكومة في لبنان وتداعياتها، والملابسات الحاصلة ما بين الزعماء اللبنانيين، قضيتُ الفترة الماضية في دراسة السنة الأخيرة من حياة المعلّم الشهيد كمال جنبلاط، وتتبُّع كل ما أحاط به من تفاصيل ومعطيات ولقاءات حينها".&

وأوضح أنها ليست المرة الأولى التي ينشغل فيها بالحرب الأهلية في لبنان ووثائقها، لكن "هذه المرة كانت مختلفة. وجدت أن تقاطعات كثيرة تجمع ما بين الظروف الإقليمية والدولية التي عاشتها سوريا ولبنان آنذاك، وتلك التي نعيشها اليوم".&

عاقدو الصفقات
رأى الجبين أن المناخ العام اليوم مناخ انحسار كبير لداعمي القضايا العادلة، "مقابل تقدّم متلعثم لعاقدي الصفقات من تحت الطاولات. ويتجسد ذلك بقوة في اللحظة السياسية التي يعيشها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اليوم، وهي لحظة تطويق واضحة للعيان، يمارسه عليه نظام الأسد وذيوله في لبنان، باعتبار جنبلاط واحدًا من أواخر القلاع الرافضة للفساد والهيمنة وعودة الوصاية من جديد، وواحدًا من أواخر الرجال المحترمين المؤيدين لثورتين عادلتين مخضبتين بالدماء؛ الثورة الفلسطينية والثورة السورية. تمر هاتان الثورتان اليوم بمرحلة بازار كبير، وربما بازار واحد، يمهّد إلى ما تعرف بـ (صفقة القرن). بينما يجد الشعب السوري نفسه وحيدًا، وقد تخلى عنه العالم، منكرًا كل قيم الحضارة والعدالة والديمقراطية التي تغنى بها حتى ما قبل هذه اللحظة".&

محاصرون&
وأكد الجبين على أنه كما إن جنبلاط محاصر اليوم، "نحن محاصرون أيضًا، محاصرون في المخيمات، محاصرون في المنافي ومحاصرون تحت حكم الأسد، محاصرون تحت حكم الجماعات المتطرفة، ومحاصرون تحت الطيران الروسي".&

لمجمل تلك الظروف اعتبر الكاتب السوري أنه "كان من الطبيعي أن يهبّ أحرار سوريا ومفكروها ومثقفوها وعلماؤها ونشطاؤها، لاتخاذ موقف يسجله لهم التاريخ. يرسّخ اعتبارات ثلاثة".

انطلق الجبين من المعيار الأول، وهو القول إن الثورة السورية والنخب السورية ما زالت موجودة، وإنها لا تُختصر بفصائل وميليشيات ومفاوضين وتشرذم سياسي وحزبي. ثانيًا، كما يشدد الجبين، "كي يكون البيان وفاء من الثورة السورية بمعناها الصافي وقيمها الناصعة لرجلٍ وقف معها، وآمن بمشروعيتها، ولآخرين معه من شرفاء لبنان، وهو موقف أخلاقي يتطابق مع هذه الثورة النبيلة، وهو أقل بكثير مما توجبه قيمها".&

وقال إن الأمر الثالث كان خياره الشخصي، موضحًا "وأظنني على حق فيه، في ما يتعلق بالتعاطي مع الرأي العام السوري، من أجل أن نكشف للسوريين مدى حاجة الناس إلى رجل يقول (لا) مهما قال من حوله (نعم). وفي موقف جنبلاط أمثولة قد تذكّر السوريين بقوة الرفض، وبإمكانية تحويل الضعف إلى قوة، في كثير من المراحل التاريخية، وهو ما ظهر لاحقًا في تعليقات الموقعين والمؤيدين للبيان".&

وثيقة
أضاف الجبين "كُتب هذا البيان ليبقى كوثيقة سورية، وقد استجابت له صفوة رائعة من السوريات والسوريين، ووقع عليه الآلاف وتناقلته وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع جدًا. وأعتقد أن رسالته وصلت، والهدف منه تحقق بالكامل".

وحول السؤال هل من المناسب أن يصدر بيان كهذا في هذا التوقيت، حيث يدور حديث عن المصالحة و"تقبيل الشوارب" والتطبيع مع النظام؟. أجاب الجبين "هذا التوقيت حتمًا هو التوقيت المناسب لقول (لا) للعودة إلى الوراء، و(لا) للتطبيع مع الأسد، و(لا) لمسامحته على جرائم الحرب التي ارتكبها بحق سوريا وشعبها. و(لا) لتهجير اللاجئين السوريين قسرًا إلى "هولوكوست" جديد تحت رحمة الأسد".

استدرك قائلًا "لكن نعم يمكننا أن نغيّر التيار القوي الحالي الذي يريد حلحلة الأمور بأي شكل، وليس أمامنا سوى أن نواصل نضالنا من أجل سوريا المستقبل وأهلها، ومن أجل ألا يذهب دم مليون شهيد هدرًا، ومن أجل ألا يضيع عذاب المعتقلين سدى".&

سلاحنا الأفكار والمواقف
وردًا على سؤال أنه من الواضح أن بيان جنبلاط يعكس أمرًا أكبر من دعم لشخصية بعينها، رغم احترامنا الشديد له ولمواقفه غير القابلة للتفاوض؟، وهل هذا هو موقف سياسي أو تثبيت مواقف، أم إعلان عن بداية مرحلة أو تحذير؟. أجاب الجبين "في النهاية هو مجرد بيان وإعلان موقف لا أكثر، فنحن لا نملك لا جيوشًا ولا طائرات. نملك الأفكار والمواقف. لكن صحيح. هو موقف أكبر من كونه دعمًا&لشخصية سياسية وحسب. هو موقفنا نحن السوريين. وكما سبق وقلتُ لك. يمكنك أن تنظري إليه كما لو كان بيانًا عاديًا مناسباتيًا مثله مثل غيره، ويمكنك أيضًا، أن تنظري إلى قيمته بعد سنوات، هو لحظة يجتمع فيها السوريون بمختلف أديانهم ومذاهبهم وتياراتهم الفكرية والسياسية على التضامن مع شخص يجتمع&فيه أيضًا الكثير من التقاطعات الفكرية والمذهبية والسياسية.&

أضاف: "كما اجتمعت في والده الشهيد المعلّم كمال جنبلاط، الذي كان صخرة في وجه مشروع الأسد الأب لاحتلال لبنان وتغيير وجهه بالكامل، حزبه وابنه اليوم يقف سدًا في وجه تحويل لبنان إلى محافظة سورية من جديد، ولكن هذه المرة بعدما تحوّلت سوريا كلها إلى محافظة إيرانية ومستوطنة روسية".

وأخيرًا يجيب إبراهيم الجبين عن السؤال كيف يمكن التوصل إلى حل في سوريا إن لم نذهب الى طاولة مشتركة أو نقطة في منتصف الطريق، بالقول "لا يوجد حل في سوريا بوجود نظام الأسد. الحديث عن دستور جديد، تقرّه لجنة دستورية مشتركة ما بين النظام والمعارضة بإشراف الأمم المتحدة، شعوذة سياسية. فمن الذي سوف يقرّ هكذا دستور إن تم فعلًا التوصل إليه؟، مجلس شعب بشار الأسد الذي عيّنه بنفسه؟. الحل هو تغيير هذا النظام بالكامل. وهو يتغيّر من داخله اليوم، وسوف يتغير أكثر إن عاجلًا أو آجلًا. حينها يبدأ الحل".