أكدت الأمم المتحدة قلقها من تباطؤ عملية استكمال الحكومة العراقية، داعية المسؤولين إلى التخلي عن صراعاتهم وسياساتهم الطائفية، ومحذرة من أن إعادة إعمار العراق تتطلب سنوات طويلة ومليارات من الدولارات، وعبّرت عن خيبة الأمل من محدودية مشاركة المرأة في صنع القرار وتحمّل الشعب العراقي تبعات ممارسات سياسييه.

إيلاف: خلال تقديم إحاطتها عن الأوضاع في العراق أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك في الليلة الماضية، والتي حصلت "إيلاف" على نصها اليوم، فقد شددت الممثلة الخاصة للأمين العام رئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) جينين هينيس بلاسخارت على الضرورة الملحّة لاستكمال الحكومة العراقية التي لا تزال أربع وزارات فيها شاغرة بدون أي تأخير لتمكين الحكومة من توطيد المكاسب الأمنية المحرزة، للتركيز على إعادة بناء البلاد، بعد أعوام من الصراع، وضمان تقديم خدمات عالية الجودة إلى المواطنين.

وأشارت إلى أن تباطؤ وتيرة استكمال الحكومة العراقية أمر مقلق بلا شك "لذلك أود أن أناشد الأطراف السياسية مرة أخرى أن يتجاوزوا الصراعات السياسية الداخلية، وأن يثبتوا أن التسوية السياسية يمكنها أن تنتصر&تحقيقًا للمصالح العليا للشعب العراقي.. كما أود أيضًا أن أذكّرهم بأن هناك نساء عراقيات يتمتعن بالبراعة والخبرة والكفاءة لأداء هذه الوظيفة".

الشعب العراقي يتحمل عبء الجمود السياسي
أضافت أن الشعب العراقي يتحمل في نهاية المطاف العبء الأكبر للجمود السياسي، وهو يتحمل هذا العبء في وقت من الضروري فيه أن تتم تلبية احتياجاتهم ومطالبهم بخدمات أفضل، الأكثر إلحاحًا، بينها هي الماء والكهرباء؛ بينما تكون ضرورة معالجة مسائل المتعلقة بإعادة الإعمار والعدالة والفساد والتوظيف والتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ وفي وقت كان ينبغي فيه على المواطنين العراقيين أن يتمكنوا من الاعتماد على حوكمة قوية وديمقراطية ومؤسسات دولة تتوافر لها مقومات البقاء.

وشددت بلاسخارت على أن الوقت قد حان للقادة العراقيين للتركيز بعيدًا عن السياسة الطائفية وبذل الجهد في تلبية الاحتياجات الملحّة للمواطنين العراقيين، لأن المزيد من التأخير قد يفسح المجال أمام عواقب وخيمة على استقرار البلاد.

مخصصات الإعمار أقل بكثير من الاحتياجات
وأشارت إلى مخصصات موازنة 2019 لعدد من قطاعات التنمية الرئيسة، مثل الكهرباء، وجهود الحكومة لتحسين تقديم الخدمات الأساسية. وقالت "لكن لا تزال مخصصات إعادة الإعمار في المناطق المحررة أقل بكثير من الاحتياجات الفعلية. إضافة إلى ذلك، لا يزال تمويل الدولة العراقية يعتمد بدرجة كبيرة على عوائد قطاع النفط، وبذلك فهو عرضة للتأثر بتقلبات أسعار النفط".

ورحّبت بالخطوات التي اتخذتها الحكومة لمكافحة الفساد من خلال وضع تدابير وقائية. فقد ترأس رئيس الوزراء خلال الشهر الماضي 3 اجتماعات للمجلس الأعلى لمكافحة الفساد، الذي يهدف إلى توحيد الجهود لمحاربة الفساد من جانب أي جهة أو شخص بغضّ النظر عن منصبه أو موقعه.

كما حذرت من أن الحرب على الفساد لن تكون مهمة سهلة، ولكنها حرب لا بد منها؛ لأن الفساد بات هائلًا، واستشرى على نطاق واسع على الأصعدة كافة في العراق. إنها حرب بالغة الضرورة من أجل إحياء الثقة لدى المواطنين، ولتسهيل تقديم الخدمات الأساسية.

العلاقات بين بغداد وأربيل&
وحول العلاقات بين بغداد وأربيل فقد رحّبت بلاسخارت بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بتاريخ 16 يناير الماضي بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق لتوحيد الرسوم الجمركية، بما في ذلك إزالة نقاط التفتيش الجمركية الداخلية بين إقليم كردستان العراق وبقية أجزاء العراق.&

ودعت بغداد وأربيل، على حدٍّ سواء، إلى استثمار هذا الزخم الإيجابي لتجاوز الخلافات، والوصول إلى حلول دائمة وطويلة الأمد لبقية المسائل العالقة. أضافت "ليس هناك الكثير لنقوله بشأن تشكيل الحكومة داخل إقليم كردستان العراق، إذ إن المباحثات لا تزال مستمرة حتى اليوم. وقد أكّدت في اجتماعاتي مع القادة الأكراد في كل من أربيل والسليمانية على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة من أجل تلبية احتياجات شعب إقليم كردستان العراق في أسرع ما يكون. مع ذلك، يبدو أن هناك بعض التطورات الجارية، فيما يتوقع أن يعقد برلمان إقليم كردستان العراق جلسة في 18 فبراير الحالي".

وعبّرت عن الأمل في أن يتواصل الدعم الدولي للعراق، والرامي إلى تحقيق الاستقرار المستدام، حتى يصبح على قمة برامج العمل الإقليمية والدولية، بناء على المصالح المشتركة، ووفقًا لمبادئ احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه وعلاقات حسن الجوار.

الأمن مقلق
وأشارت إلى أن الأمن يشكل مصدر قلق، فعلى الرغم من انخفاض وتيرة الأنشطة الإرهابية، وقعت خلال الشهر الماضي هجمات استهدفت المدنيين وقوات الأمن العراقية.

وقالت إنه على الرغم من هزيمة داعش عسكريًا، لا يزال التنظيم يشكل تهديدًا أمنيًا للعراق والمنطقة؛ ومن المؤكد أننا سنواصل العمل مع السلطات العراقية وشركائنا في المجتمع الدولي لمجابهة نشاط داعش وفكره، من خلال مساعينا الحميدة وبرامجنا التي تهدف إلى تحقيق المصالحة المجتمعية والتماسك الاجتماعي.

أما المسألة الأخرى المثيرة للقلق، فتتعلق بالجماعات المسلحة و/أو التشكيلات الإجرامية التي تعمل خارج نطاق سيطرة الدولة، والتي تتوسع أيضًا في بسط سيطرتها الاقتصادية والاجتماعية على الحياة اليومية في العراق. وبصرف النظر عن انتماءات هذه التشكيلات، يتعيّن على الحكومة اتخاذ إجراءات سريعة لإصلاح قطاعها الأمني، والعمل بحزم ضد هذه الجماعات وأنشطتها.&

وأوضحت أن الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش تتيح لبعثة الأمم المتحدة في العراق فرصة للبعثة لتقديم دعم أكثر تنظيمًا وتركيزًا لجهود الحكومة في تعزيز المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وضمان حماية وتعزيز حقوق جميع المواطنين.

وأكدت أن تعزيز الالتزام على نحو أكثر اتساقًا بالمعايير الدولية بشأن الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة هو أمر ذو أهمية قصوى. إن تحقيق مساءلة قضائية محايدة وشفافة - عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل تنظيم داعش - ستكون له أهمية كبيرة في إعادة بناء التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي.
&
مشاركة المرأة العراقية في صنع القرار محدودة
ونوهت بلاسخارت بأنه كجزء من جهود البعثة للمضي قدمًا في الحصول على فرص متكافئة وتعزيز مشاركة المرأة في جميع العمليات السياسية، أعلنت بدء عمل المجموعة الاستشارية النسوية المعنية بالمصالحة والسياسة بتاريخ 24 يناير. وتعد هذه المجموعة آلية للمشاركة وستعمل بمثابة مصدر مستقل لتقديم المشورة والخبرة للبعثة وغيرها.

وقالت إنه في الوقت الحاضر، لا يزال إشراك المرأة - ومشاركتها المباشرة في مناصب صنع القرار العليا - محدودًا للغاية. ولذا أجدد مناشدة البعثة للقيادات السياسية للوفاء بتعهداتهم العديدة التي قطعت خلال مرحلة الانتخابات، وبالتالي تعيين النساء في مناصب صنع القرار العليا.
&
خطط إنسانية جديدة
أضافت المسؤولة الأممية إن الأمم المتحدة وشركاءها في المجال الإنساني قد أنهوا الاستعراض العام للاحتياجات الإنسانية لعام 2019 في العراق، وسيتم قريبًا إعلان بدء العمل بخطة الاستجابة الإنسانية بالتعاون الوثيق مع الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان.

وأوضحت أن المجتمع الإنساني سيركز، خلال هذا العام، على تلبية احتياجات 1.75 مليون شخص في العراق من الفئات الضعيفة، بمن فيهم النازحون، الذين يعيشون داخل وخارج المخيمات والعائدون إلى مناطق في حاجة ماسّة إلى المساعدات الإنسانية، إضافة إلى المجتمعات المضيفة التي أنهكتها سنوات من الصراع المسلح. والاحتياجات كبيرة بالتأكيد!.

وبيّنت أن خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019 تسعى إلى الحصول على 700 مليون دولار أميركي من المانحين، وتشمل برامج متخصصة لمعالجة مشكلة الحماية، التي ما زالت أولوية إنسانية رئيسة في عام 2019. وبالطبع ستنفذ البرامج الإنسانية جنبًا إلى جنب مع جهود الإنعاش وتحقيق الاستقرار.

إعادة الإعمار تتطلب سنوات طويلة ومليارات الدولارات
أضافت إنه بينما تتواصل الجهود لإعادة بناء البنية التحتية واستعادة الخدمات الأساسية سيتطلب الأمر سنوات عديدة ومليارات من الدولارات لإعادة بناء البلاد. وسيحتاج العراق - بدون شك - الاهتمام المتواصل من جانب المجتمع الدولي لجعل هذا التحول ناجحًا ومستدامًا.

ونوهت بأنه بفضل الدعم السخي من المجتمع الدولي تجاوز صندوق تمويل الاستقرار التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مبلغ مليار دولار بنهاية عام 2018. مع ذلك، لا يزال أكثر من 600 مشروع تحت إدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دون تمويل ولا تزال هناك فجوة بمبلغ 338 مليون دولار. وبعبارة أخرى: هناك حاجة إلى تمويل إضافي، بما في ذلك مساهمات من الحكومة العراقية، التي تقر بالتأثير السريع وفعالية هذا البرنامج، كما تقوم منظومة الأمم المتحدة بتقديم الدعم إلى الحكومة العراقية لتنفيذ بعض الإصلاحات الرئيسة، كما في القطاع الأمني.

وأوضحت أنها خلال زيارتها إلى الموصل قبل أسبوعين، لاحظت الإسهام المهم الذي تقدمه المشاريع التي ينفذها فريق الأمم المتحدة القُطري في مساعدة الحكومة على ترميم المنازل وتأهيل محطات المياه، اللذين يعدّان من بين الاحتياجات الأساسية (المأوى + المياه) لعودة الحياة إلى هذه المدينة التي مزقتها الحرب.

عمليات إنقاذ
وقالت إن منظمات عدة لإزالة الألغام تنهمك في أعمال إنقاذ الحياة، وبذلك فهي تمهد الطريق لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، فضلًا عن التعامل اليومي مع التهديد الذي تشكله العبوات الناسفة، "ولا يمكنني أن أوفي أهمية هذه الجهود حقها، ويجب علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لضمان القيام بهذا العمل الإنساني العام من دون تأخير، وينبغي على الحكومة العراقية القيام بالمزيد من العمل للتغلب على بعض التحديات لتسهيل هذه الأنشطة، بما في ذلك، اعتماد المشغلين المدنيين في الوقت المناسب وعلى النحو المتوقع لما يتسم به عملهم من أهمية بالغة لتمكين العودة الآمنة للنازحين وتوفير الخدمات الأساسية لهم".

برامج التعافي
وأوضحت بلاسخارت أنه منذ انعقاد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق في الكويت في شهر فبراير 2018، بدأ تنفيذ برنامج التعافي والقدرة على مواجهة الأزمات في العراق بـ 53 مشروعًا في أربعة مجالات: (1) الحوكمة وتوفير الخدمات (2) سبل كسب العيش (3) الحماية (4) المصالحة.

البرنامج وطني بطبيعته، إذ إنه يغطي البلاد برمتها، ويعمل بميزانية قدرها مليار دولار على مدى سنتين، وأشارت إلى أن جهود تعبئة الموارد متواصلة، ويبلغ حجم الأموال التي تم التعهد بالتبرع بها للمشاريع حتى الآن أكثر من 300 مليون دولار، ودعت بقية الجهات المانحة إلى المساهمة.

طريق صعب للإصلاح
في الختام أكدت بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمين العام رئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) أن الإحباط الذي ساد إبان فترة احتلال تنظيم داعش قد أوجد فُسحةً للأمل والتفاؤل للمستقبل. مع ذلك، لا يمكن لأحد أن يخفي حقيقة أن الطريق إلى الاستقرار المستحق والطويل الأمد في العراق لن يكون سهلًا على الإطلاق.

وشددت على أن الواقعية والإصرار الكبيرين سيكونان عاملين ضروريين في مواجهة التحديات المقبلة، وكذلك من جانبنا نحن. وإن امتلاك جميع المكونات العراقية وبشكل واضح لزمام الأمور ومشاركتها سيثبتان أن الإرادة السياسية هي شرط مسبق لاعتزازها بتاريخٍ ومستقبل مشتركين، وأنها ضرورة حاسمة. ومن المؤكد فإن الدعم المتواصل من لدن المجتمع الدولي سيكون أمرًا بالغ الأهمية.&