طالب بعض الأساتذة الجامعيين ممن كانوا طلبة للباحث المغربي الراحل محمد بن شريفة بإنشاء مركز للدراسات باسمه، تكريمًا له، وحفاظًا على ذكراه، وذلك في ختام جلسة نظمت مساء الأربعاء، ضمن ندوات المعرض الدولي للنشر والكتاب، المنعقد حاليًا في مدينة الدار البيضاء، في دورته الخامسة والعشرين.
&
إيلاف المغرب من الرباط: في البداية، قالت الكاتبة نجاة المريني، الأستاذة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس في الرباط، التي تولت تسيير الجلسة، إن الباحث بن شريفة علامة وهرم كرّس حياته للعلم والبحث في التراث العربي والإسلامي، وخاصة الأدب الأندلسي منه.

جاء هذا الاحتفاء بـ"ذاكرة" بن شريفة في المعرض الدولي للكتاب والنشر، وفاء لروحه، بعدما انتقل إلى رحمة الله يوم الخميس 14 ربيع الأول 1440/الموافق فيه 22 نوفمبر 2018، بعد حياة قضاها كلها منكبًا على الكتابة والتعريف بأعلام الغرب الإسلامي، من خلال دراسة أعمالهم وإصدارها في كتب ومؤلفات عديدة.

وبعدما استحضرت المريني محطات من مساره كباحث وأستاذ جامعي تخرجت على يديه أفواج من الطلبة، أكدت أنه "إذا كان الموت قد غيّبه عنا، فإنه سيبقى حاضرًا بيننا بأفكاره وإنجازاته العلمية".

الراحل محمد بن شريفة

وذكرت أنه من الرعيل الأول للأساتذة الجامعيين في المغرب، وقدم خدمات جليلة إلى التعليم والثقافة والفكر من خلال كل المواقع والمناصب التي تقلدها، أستاذًا وباحثًا ومسؤولًا، سواء في الجامعة أو الكلية، أو محافظًا لخزانة جامعة القرويين في فاس، أو "الخزانة الوطنية للكتاب" في الرباط، أو عضوًا في أكاديمية المملكة المغربية، في المدينة نفسها.
&
كغيرها من الذين تعرفوا إليه شخصيًا لسنوات عدة، ونهلوا من علمه، اعترفت المريني بأنها استفادت منه الشيء الكثير، مشيرة إلى أنه كان يلحّ على القراءة التي كان شغوفًا بها، معتبرًا إياها المدخل الحقيقي للبحث من أجل اكتشاف خبايا وكنوز المعرفة، داعية إلى جمع نصوصه المنشورة في بعض المجلات وإصدارها في كتب لتطلع عليها الأجيال الجديدة.&
&
المدلاوي: جوانب شخصية
من جهته، استعاد الكاتب والباحث محمد المدلاوي المنبهي، أستاذ التعليم العالي، ذكرياته مع بن شريفة، مشيرًا إلى أنه تتلمذ على يديه، وتعرف إليه بشكل أعمق حين تولى رئاسة شعبة اللغة العربية، في كلية الآداب في جامعة محمد الأول في وجدة (شرق المغرب)، التي يعتبر بن شريفة مؤسس نواتها الأولى.
&
أردف أن الراحل أفاده في الكثير من الأمور المتعلقة بالبحث، كرجل علم دراسة ومعرفة، واكتشف فيه جانبًا مهمًا من الجوانب التي تطبع شخصيته، من خلال تعامله مع الناس، بطريقة خاصة تجعل الأمور تمضي في انسيابية ويسر.&
&
في استحضار لبعض ملامحه أيضًا، أشار المدلاوي إلى أنه كان خفيف الظل، يتسم بسرعة البديهة، متمكنًا من اللغات العربية والإسبانية والأمازيغية، ومتفوقًا في تحقيق النصوص في الأدب المغربي والأندلسي.

توقف المدلاوي بالخصوص عند كتاب "ملعبة الكفيف الزرهوني"، الذي قام شريفة بتحقيقه وإصداره، منوهًا بالجهد الكبير الذي بذله من أجل إخراج هذا النص الملحمي ذي الطابع التاريخي والشعري إلى الوجود.

لم يفت المتحدث نفسه أن ينوه بما كان يتصف به الراحل من إلمام واسع بالأنثربولوجيا والسوسولوجيا، ومن سبر لأغوار الثقافة المغربية، بمختلف تعبيراتها وروافدها المتعددة، وهو ما انعكس في الرصيد الذي خلفه وراءه في شكل مؤلفات أغنت الخزانة الثقافية في المغرب.
&
دندش: رحلة العمر
بنوع من التأثر، تحدثت عصمت دندش، الأستاذة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط، وأرملة المرحوم بن شريفة، عن الذكريات التي جمعتها معه، زوجًا ورفيق درب في رحلة العمر.

عصمت دندش، أرملة الراحل محمد بن شريفة

استهلت حديثها بالقول إن فيض الذكريات التي أثيرت خلال هذه الجلسة، أرجعتها إلى وجدة، التي تحتل مكانة خاصة عندها وعند زوجها أيضًا، نظرًا إلى ارتباطهما مع هذه المدينة في فترة من حياتهما العملية، في مراحل التأسيس لجامعتها.
&
في التفاصيل التي أوردتها دندش، قالت إن العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، كلف بن شريفة بالعمل على إنشاء جامعة في مدينة وجدة، بعد طرد الجزائر للمواطنين المغاربة، وكان يريد من وراء ذلك أن "يرد على هذا العدوان بشكل ثقافي".
&
ولدى حديثها عن ظروف إنشاء جامعة محمد الأول بوجدة، أبرزت أن بن شريفة "قام بتأسيسها من لا شيء تقريبًا"، على حد تعبيرها، لافتة إلى أنها كانت كأستاذة تذهب لإلقاء محاضرة في الحرم الجامعي، من دون أن يعرف أي أحد أنها زوجته، تطبيقًا لتوصيته "بوضع الحدود بين العمل والعائلة".

وكشفت دندش أنه نظرًا إلى مكانته العلمية الرفيعة، كباحث في التراث العربي والإسلامي، كان يتلقى الكثير من الدعوات من العديد من الدول، للعمل لديها متفرغًا، ومن بينها إسبانيا، لكنه كان يعتذر عن تلك الطلبات، رغم كل الإغراءات، تمسكا منه بخدمة بلده عبر الحقل العلمي والمعرفي.

وعن طقوس عمله، أوضحت أرملته: "ليس هناك أي شيء كان يصرفه عن أبحاثه، التي كان يقوم بها في الشعر والنثر والفقه والتراث والرحلات، حيث يمضي أطول وقت ممكن في مكتبه، وكان هاجسه الأساسي هو البحث عن الكتب المجهولة المؤلف، إلى أن يعثر عليه".&

من بين الأسرار التي أزاحت عنها الستار قولها، وهي تبتسم: "كان يخفي كتاباته عني، إلى أن تصدر مطبوعة في كتاب، حرصًا منه على ألا يختلط عمله بعملي"، على حد تعبيرها.&

ختمت دندش شهادتها بالتشديد على أنه حتى في آخر حياته، وقبيل رحيله، ظل متوقد الذهن، لا يكفّ عن الإنتاج، وأراد أن يسابق الزمن بحسه الأدبي من أجل كتابة رواية أو قصة، وهو ما شرع فيه فعلًا، من خلال نص يعود فيه إلى ذكريات طفولته ونشأته الأولى.
&