منذ مئات السنين، رقدت مدينة كانت تعج بالحركة في العصور الوسطى مخبأة في الريف البريطاني، حتى اكتشفها عالم آثار إنجليزي، وأثبت صحة وجودها، بعد 15 عامًا من بدء الحفر للموقع الموجود على الحدود الإنجليزية - الويلزية.

إيلاف: بحث علماء الآثار عن المدينة الموجودة من القرون الوسطى لفترة من الوقت، لكنهم كانوا يبحثون عن طريق الخطأ في جميع أنحاء قرية تُدعى «تريليش»، لكنها قرية حديثة، وتتشابه مع قرية تريليش القديمة في ويلز.

للوهلة الأولى، قد تبدو تريليش مجرد قرية على الحدود الويلزية لا تتضمن سوى حانة واحدة. لكن إذا أمعنت النظر قليلًا، سوف تدرك أن هذه الأبرشية في منطقة واي فالي (Wye Valley) المشجرة هي من أكثر الأماكن إثارة للفضول في البلاد، حيث تجد مدينة فقدت منذ القرون الوسطى وأحجارًا من العصر الحجري الحديث تشير إلى ماضٍ لامع، يكتنفه بعض الغموض.

لم يكن مجنونًا
من الشجاعة أن تعلّق تطلّعاتك وآمالك (ناهيك عن مدّخرات الحياة) على حقل موحل في تريليش في مونماوثشاير، مثلما فعل خرّيج علم الآثار ستيوارت ويلسون في العام 2004. فقد وجد في جحور حيوانات الخلد بقايا من الفخار تعود إلى العصور الوسطى، واعتبره دليلًا على شيء أكبر بكثير.&

كان ويلسون مقتنعًا أنّ هذا الشيئ هو عاصمة منسية، فدفع 32 ألف جنيه إسترليني لشراء الحقل في المزاد العلني، وأطلق عملية تنقيب كبيرة. سخر منه الكثيرون، واعتبروه مجنونًا، ولكن في النهاية، تبيّن أنّ حدسه كان على حق.

على مدار 15 عامًا، كشف ستيوارت والمتطوعون العاملون معه، عن كنوز متعددة في الحقل الذي تبلغ مساحته 4.6 فدان، من بينها قلعة محصنة وبرج حجري مستدير وبعض الأواني والقطع المعدنية من العصور الوسطى.

يُعتقد أن تريليش في ذروتها في منتصف القرن الثالث عشر، كانت بلدة مزدهرة بالحديد والفحم، تم استغلالها من قبل عائلة دي كلير الأنغلو نورمان القوية لإنتاج أسلحة من أجل إحراز تقدّم عسكري في ويلز.

ثلاثة حجارة مسطحة
ورغم أنّ القرية تبدو صغيرة ونائمة اليوم، لكنها كانت آنذاك واحدة من أكبر المدن في ويلز، حيث بلغ عدد سكانها 10000 نسمة. كانت أكبر من كارديف، وبربع حجم لندن. هذا الوريد من التاريخ أعيد إلى الحياة، من خلال أيام من التنقيب الأثري بين أبريل إلى أكتوبر، حيث يمكنك الذهاب ونبش اكتشافات جديدة بنفسك.&

لكنّ المدينة المفقودة هي مجرد تتويج للعملية. فعلى بعد حقل أو حقلين، تجد موقعًا يسلّط الضوء على فترة قبل ذلك بكثير: Harold’s Stones، حيث تقف الحجارة الثلاثة الصخرية الملتوية التي أعطت البلدة اسمها – "تري" تعني "ثلاثة" و"ليش" تعني "الحجارة المسطحة". ومن المعتقد أنّها مبتورة من أحجار الرصيص من العصر الحجري الحديث، ويبلغ أطولها 4.5 مترًا.&

للعذارى والرهبان
يمكنك السير لمدة خمس دقائق على طول طريق لاندوغو لتصل إلى البئر الفاضلة (Virtuous Well) أو بئر سانت آن. عند هذه البئر الشبيهة بحدوة الحصان، تلتقي أربعة ينابيع، استقبلت في الماضي الحجاج والمسافرين من بعيد، الذين جاءوا من أجل مياهها الشافية الغنية بالحديد. على الرغم من أنّها تبدو مكانًا متواضعًا الآن، فقد توافد الناس في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر إلى هنا لعلاج أمراض العين.&

ووفقًا للحكاية المتداولة، كانت السيدات تأتي لرمي الحصى في البئر لمعرفة متى ستتزوّجن (كانت كل فقاعة ترمز إلى شهر انتظار إضافي). واعتاد الرهبان في دير تينترن الاستفادة من المياه "المقدسة" الثمينة مستعينين بنفق طوله ثلاثة أميال.

يتعرج الممر الريفي الضيق عبر الغابة نحو الجنوب إلى تينترن، على بعد أربعة أميال. وفي الطريق تمرّ بـ"وايت ستون"، حيث توصلك مسارات المشي إلى غابات واي فالي السفلية، التي تكون في أوج جمالها في الربيع حين تتفتح أزهار &البلوبلز، ومرة أخرى عندما تتحول الأشجار ذات الأوراق العريضة إلى لون ذهبي في الخريف. &

الجدير بالذكر أن عددًا من الفنانين والشعراء ألّفوا نصوصًا وقصائد مادحين هذه المنطقة، من بينهم الشاعر ووردزورث، الذي كتب قصيدة "سطورُ كُتبت على بعد أميال قليلة من دير تينترن" بالقرب من أعلى نقطة في العام 1798. وقد تحدّث بحماسة عن هذه "المنحدرات الشاهقة والشامخة" و"مشاهد البرية المنعزلة ".

رغبة شيطانية
عند أحد المنعطفات في النهر، على بعد ميلين جنوبًا، يجذبك دير تينترن ذات الطراز السيسترسي المثير للإعجاب. أسّسه لورد شيبستو، والتر دي كلير، في العام 1131، وهو من أعظم الآثار في ويلز، خاصة إذا تجنّبت أوقات ازدحام الحشود، ووصلت إليه في وقت مبكر أو متأخّر.

يمكنك أن تمشي ثلاثة أميال عبر بعض أجمل الغابات في بريطانيا لتصل إلى Devil’s Pulpit. هذا الصخرة الكلسية تطلّ على مناظر رائعة للدير من الأعلى. وتقول الأسطورة إن الصخرة سميت باسم الشيطان، الذي ناشد الرهبان أدناه أن يهجروا الدير ويأتوا إلى الجانب المظلم.

أين يمكن&المكوث؟
هناك الكثير من الأماكن الساحرة لتمضي الليلة في المنطقة، بما في ذلك فندق Tintern Old Rectory من القرن الثامن عشر، وهو مكان قديم الطراز، مع إطلالة على النهر وأطعمة تختلف بحسب المواسم.

أمّا فندق Lion Inn من أواخر القرن الـ 16، فقد كان في الأصل خمّارة ومزرعة للخنازير. الآن هو حانة ساحرة وفندق بي أند بي، مع مواقد مفتوحة في فصل الشتاء وحديقة بيرة في فصل الصيف، وقائمة طعام تجد فيها ما يشبه كريسبي لحم الخنزير المقلي ولحم الخروف المحلّي المشوي ولحم البقر.

وإذا أردت مكانًا أكثر ترفًا، فعليك أن تقود سيارتك على بعد أربعة أميال شمالًا إلى فندق ومطعم Whitebrook الحائز نجمة ميشلان لتتناول مأكولات فريدة لم تتذوق مثلها من قبل.

أعدّت إيلاف هذا التقرير نقلًا عن "تلغراف".