الرباط: تنظم "مؤسسة أرشيف المغرب"، بشراكة مع "مجلس الجالية المغربية بالخارج"، بداية من الأربعاء وإلى غاية 30 مايو المقبل، معرضا بعنوان "الحضور المسيحي بالمغرب: العيش المشترك".&

سفر عبر الزمن

ويتيح هذا المعرض، الذي ينظم تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، الفرصة للخوض في "فصول غير معروفة من تاريخ مشترك يتسم ببصمة قوية لقيم السلام والتعايش"؛ كما يعتبر، حسب منظميه "مناسبة لإبراز التساكن المتميز والعلاقات الطيبة التي جمعت المغاربة والمسيحيين، ودأب علـى ترسـيخها سـلاطين الدولة المغربية منـذ قـرون".

ويتزامن هذا المعرض، الذي ينظم بـرواق "مؤسسة أرشيف المغرب"، مع زيارة البابا فرانسيس إلى المغرب، بعد الزيارة التاريخية التي قام بها يوحنا بولس الثاني سنة 1985، وهو يقترح، حسب منظميه، "سفرا عبر الزمن"، منذ عهد الموحدين (1121م - 1269م)، وذلك لـ"استكشاف جانب من تاريخ المملكة من خلال مجموعة غير منشورة من الوثائق والظهائر والصور".

نموذج حضاري

ويعتبر المغرب، منذ فترة طويلة، حسب منظمي المعرض "نموذجا حضاريا متفردا للعيش المشترك بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، خاصة اليهود والمسيحيين"، كما وجد فيه المسيحيون "مكانا للقاء والتعايش، تحت رعاية السلاطين المغاربة الذين منحوهم وضعا يضمن لهم ممارسة حقوقهم المرتبطة بحياتهم الروحية والاجتماعية والاقتصادية".

وترجع معرفة المغرب بالمسيحية، حسب ملف تقديمي للمعرض إلى "زمن معرفته بالرومان وحضارتهم، خاصة عندما أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للدولة الرومانية، كما تذهـب لذلك معظم المصادر التي تناولت موضوع المسيحية بالمغرب. أما علاقة الدولة المغربية بالفاتيكان فهي قديمة أيضا وترجعها الوثائق المتوفرة إلى الفترة الموحدية، عندما بعث الخليفة الموحدي أبو حفص المرتضى برسالة من مراكش إلى البابا إنوسانت الرابع بروما في العاشر من يونيو 1250م، بشأن تعيين راهب يهتم بأمور النصارى المقيمين بالمغرب، جاء فيها: "وفي سالف هذه الأيام انصرف عن حضرة الموحدين أعزهـم اللـه البشب الذي كان قد وصل بكتابكم إلينا انصرافا لم يعهـده منا فيه بر وإكرام ولم يغبه فيه اعتناء به واهتمام (...) ومتى سـنح لكم أسعدكم الله تعالى بتقواه أن توجهـوا لهؤلاء النصارى المستخدمين ببلاد الموحدين أعزهم الله من تروه برسم ما يصلحهم في دينهم ويجري على معتاد قوانينهم".&

نيات حسنة

وزاد الملف التقديمي أن تلك "العلاقات الطيبة المفعمة بالنيــات الحســنة استمرت من خلال السفارة التي أوفدهـا السلطان المولى الحسن إلى البابا ليون الثالث عشر، التي ترأسها الحاج محمد العربي الطريس، والتي ميزها إشراك الراهب الإسباني الأب ليرشـوندي بوصفه ترجمانا ومستشارا للبعثة التي استقبلت من قبل قداسة البابا يوم 25 فبراير 1888. ويمكن الإشارة أيضا، في هـذا الصـدد، إلى استقبال السلطان سـيدي محمـد بـن يوسـف لرئيس الأساقفة بالمغرب "أميدي لوفيفر" و"الأب دوني مارتن" إثر انتهاء أشغال ملتقى تومليلين عــام 1956، كما بعث الملك محمد الخامس &برئيس حكومته عبد الله إبراهيم للقاء البابا سنة 1960، محافظا بذلك على نهج أسلافه في تكريس ثقافة الانفتاح والتسامح الديني التي سنها حكام المغرب على مر التاريخ. وتلك سنة حافظ عليها أيضا نجله الملك الراحل الحسن الثاني، عندما استقبل البابا يوحنا بولس الثـاني سـنة 1985، وكذلك الملك محمد السـادس عندمـا زار البابا بمقره بالفاتيكان عام 2000".

عناية كبيرة

وأبرزت الورقة التقديمية "العناية الكبيرة"، التي حظــي بها النصارى بــأرض المغرب، كمـا تشهد عليه ظهائر ( الظهير مرسوم ملكي) التوقير والأمان والاحترام التي نعموا بها من لدن سـلاطينه، كما "تمتعوا بالكثير من الحقوق والحريات في التنقل والسفر والتجارة، إلى جانب ما حظوا به من حرية في تدبير أمورهم الخاصة في الإرث والزواج والقضاء وبناء دور العبادة وممارسة شعائرهم الدينية"، بحيث "تتجلى تلك الرعاية في تفاعل المسيحيين ورغبتهم القوية في تقاسم المعيش اليومي مع المغاربة المسـلمين، من خلال مساهمتهم في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية، كما تبديه الخدمات التي قدموها لهم من تطبيب وتعليم، وكذلك مختلف ورشات تكوين الشبيبة المغربية في مختلف الحرف والصنائع بمختلـف ربوع البـلاد".