يبدو محمد جواد ظريف ناشزًا على رأس الدبلوماسية في أكثر الأنظمة عداء لأميركا في العالم، هو المتعلم في أميركا، والدمث في نظام ثيوقراطي إستبدادي. عندما كان دوره يتطلب التفاوض للتوصل إلى اتفاق نووي، أدّى المهمة. وعندما كان دوره الدفاع عن نظام إيران، أدّى المهمة أيضًا.

إيلاف: عندما حاول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن يستقيل من منصبه أخيرًا، بدا ذلك هزيمة أخرى للمعتدلين الإيرانيين. وكان ظريف الذي درس في الولايات المتحدة دائمًا يبدو شخصية ناشزة على رأس الدبلوماسية في أكثر الأنظمة عداء لأميركا في العالم. وأعرب مسؤولون ومحللون غربيون عن خشيتهم من أن يقطع&رحيله صلة طهران الأخيرة بالغرب.&

دمث في نظام استبدادي
لكن كريم سجادبور، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي الأميركية، كتب في مجلة "أتلانتيك" أن ظريف لم يكن في طريقه إلى الرحيل، وأن النخبة الحاكمة، بمن فيها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، سرعان ما رفضت استقالته، فعاد إلى وظيفته، ليثير من جديد السؤال عن الدور الذي يقوم به دبلوماسي دمث في نظام استبدادي.&

ظريف، بنظر خصومه، موظف غير نزيه، لا حول له ولا قوة، وجزء من المؤسسة الحاكمة، تستخدمه النخبة الثيوقراطية لخداع أميركيين وأوروبيين يصدقون اعتداله بسذاجة. وعند خامنئي، فائدة ظريف الكبيرة نابعة من حقيقة أنه شخصية قادرة على تنعيم الحافات الجارحة للسياسة الإيرانية من دون تغيير جوهرها.

يقول سجادبور إنه التقى ظريف للمرة الأولى في عام 2003 حين كان سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وكان يجري معه مقابلات بانتظام خلال عمله محللًا في مجموعة الأزمات الدولية، وعرفه دبلوماسيًا حاذقًا ولطيفًا، يتواصل علنًا مع المغتربين الإيرانيين من أمثال سجادبور نفسه.&

عندما أرادت المنظمة، التي يعمل فيها سجادبور، أن يعود إلى إيران، نصحه ظريف ألا يفعل ذلك بأي حال من الأحوال. ولولا صراحة ظريف لانتهى به المآل في سجن إيفين سيئ&الصيت مثل كثير من أصدقائه وزملائه.&

يؤدي المهمة بنجاح
كثيرًا ما تساءل سجادبور لماذا يمثل شخص بثروة ظريف العائلية ومستوى تعليمه (دكتوراه بالعلاقات الدولية من جامعة دينفر) نظامًا ثيوقراطيًا يعامل المرأة معاملة مواطن من الدرجة الثانية، ويضطهد الأقليات الدينية، ويكمّ الأفواه، ويتصدر دول العالم في عدد الإعدامات؟.

يكتب سجادبور أن ظريف أبدى له ذات مرة ندمه على اختيار السياسة مهنة له بدلًا من العمل في الوسط الأكاديمي.&

تغيرت حظوظ ظريف بعد فوز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية في عام 2013 وتعيينه وزيرًا للخارجية، لينهي فترة سبات سياسي قضاها مدرسًا جامعيًا في طهران. أصبح ظريف كبير المفاوضين الإيرانيين مع القوى الدولية الست بشأن برنامج إيران النووي. وعندما وقِّع الاتفاق أصبح ظريف بطلًا قوميًا في إيران ومرشحًا لجائزة نوبل للسلام.&

شاع أمل وقتذاك بأن الإرادة الطيبة التي نشأت بين ظريف ووزير الخارجية الأميركي جون كيري يمكن أن تؤدي إلى تعاون إقليمي أكبر بين واشنطن وطهران، وفي النهاية إلى تقارب وانفراجة بين العاصمتين.&

لكن ما لم يُفهم وقتذاك، والآن، هو طبيعة عمل ظريف وزيرًا لخارجية جمهورية إيران الإسلامية. فعندما كان دوره يتطلب التفاوض للتوصل إلى اتفاق نووي ورفع العقوبات الاقتصادية ضد إيران، أدى المهمة على الوجه المطلوب.

لكن، عندما كان دوره يتطلب الدفاع عن مجرمي حرب وإرهابيين وخاطفي رهائن ونفي محاولات إيران لاغتيال معارضين في أوروبا، ويكذب بشأن القمع في الداخل، فإنه كان يؤدي هذه المهمة أيضًا على الوجه المطلوب، كما يلاحظ سجادبور في مجلة "أتلانتيك".&

المعتدل المستهدف!
يتابع سجادبور أن فهم ظريف يتطلب فهم الطبيعة ذات القطبين للنظام الإيراني. فإن المسؤولين الإيرانيين الذين يتحادثون مع الغرب لا يملكون صلاحية تُذكر، في حين أن المسؤولين الأقوياء، مثل خامنئي وقائد الحرس الثوري قاسم سليماني، يرفضون التحادث مع الغربيين.

خامنئي لم يغادر إيران منذ 30 عامًا، وسليماني يعمل في الظل بين بيروت وموسكو. والثنائية القطبية تمنح ظريف قدرة معقولة على الإنكار وادّعاء الفضل في مبادرات طهران الدبلوماسية الناجحة، وإبعاد المحاسبة على معرفته ممارسات النظام القمعية.&

يذهب ظريف إلى حد تصوير نفسه مستهدفًا من النظام الذي يمثله. لكن صورة ظريف بوصفه معتدلًا مستهدفًا تزيد قيمته عند خامنئي، كما يقول الباحث سجادبور، واصفًا إيران بأنها ربما البلد الوحيد في العالم الذي يخوض ثلاث حروب باردة في آن واحد؛ مع إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة. ويدير خامنئي هذه النزاعات بأداتين رئيستين؛ فإن سليماني هو سيف خامنئي الذي يمثل قوة إيران في نزاعات الشرق الأوسط. ظريف، على النقيض من ذلك، بمثابة درع خامنئي، يستخدم مواهبه الدبلوماسية لدرء ضغوط الغرب الاقتصادية والسياسية.

سليماني يتعامل مع ميليشيات أجنبية، وظريف مع وزارات خارجية، على حد تعبير سجادبور، مؤكدًا أن ظريف ما كان ليبقى أربعة عقود مسؤولًا في نظام سلطوي لولا ولاؤه الذي لا يتزعزع لهذا النظام.&

مسرحية مثيرة
يقول سجادبور في ختام مقالته في مجلة "أتلانتيك" إن استقالة ظريف قصيرة العمر كانت مسرحية مثيرة، ولم تفعل شيئًا لتغيير أساسيات النهج الإيراني.&

ما دامت الجمهورية الإسلامية تواجه انعدام الأمن داخليًا وخارجيًا، وهو يكاد يكون ثابتًا منذ عام 1979، فإن قوى الأمن الإيرانية ستواصل سيطرتها على مؤسسات مدنية مثل وزارة الخارجية.&

بالتالي، تركة ظريف بصرف النظر عن نهاية حياته المهنية كدبلوماسي ستُختزل في نهاية المطاف إلى سؤال بسيط: هل عمل للجم القمع الداخلي والراديكالية الخارجية أم تمكينهما؟.&

في حين أن الإجابة المركبة هي أنه يفعل الاثنين، فإن مواهب ظريف الدبلوماسية الكبيرة مقترنة بعدم امتلاكه سلطة حقيقية، تعني أن التاريخ سيذكره على الأرجح بوصفه ممكنًا لقمع النظام، وليس لاجمًا له.&

كتبت حنة آرندت يومًا: "إن الحقيقة المحزنة هي أن غالبية الشر يرتكبها أشخاص لا يحسمون قرارهم أبدًا بأن يكونوا أخيارًا أو أشرارًا".&


أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن موقع "أتلانتيك". الأصل منشور على الرابط التالي:
https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2019/03/what-does-javad-zarifs-return-mean/584305/?utm_medium=social&utm_source=twitter&utm_campaign=the-atlantic&utm_content=edit-promo&utm_term=2019-03-07T11%3A00%3A11
&&