الرباط: قال محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، الاثنين، بالرباط، إن "مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، تطرح على السياسة الجنائية تحديات استثنائية تدعو إلى تهيئ سلطات البحث والتحري للتعرف على ضحايا هذه الجريمة من جهة، كما تتطلب تشجيع الضحايا أنفسهم، وعامة الأشخاص في المجتمع على التبليغ عن هذه الجريمة، وتحسيسهم بخطورتها، وتعريفهم على أركانها والوسائل التي ترتكب بها، وطمأنة الضحايا على وضعيتهم وعلى حمايتهم".

التعريف بالجريمة

وشدد عبد النباوي، الذي كان يتحدث بمناسبة إعطاء رئاسة النيابة العامة انطلاق حملة تواصلية وتحسيسية حول مكافحة الاتجار في البشر، بشراكة مع مكتب الأمم المتحدة متعدد الدول المعني بالمرأة، على اعتقاده بأن "التعريف بالجريمة، وبأركانها وأساليبها وبأنواع الحماية المقررة لضحاياها، بات حلقة ضرورية لكي تتمكن السياسة الجنائية من القيام بمهمتها الردعية في المجتمع"، مشيرا إلى أنه لهذا السبب تطلق رئاسة النيابة العامة حملة تواصلية مع الرأي العام "للتحسيس بجريمة الاتجار بالبشر والتعريف بها، من أجل تحرير ضحايا هذه الجريمة من الخوف، وتشجيعهم على تبليغ السلطات والتماس حمايتها".
وأكد عبد النباوي أن رئاسة النيابة العامة "تضع مكافحة جريمة الاتجار بالبشر في صلب اهتمامات السياسة الجنائية، في حرص منها على تنفيذ إرادة المشرع المغربي المتجلية في القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، الذي يوفر إطارا ملائما لزجر المتاجرين بالبشر من جهة، ويؤَمِّن حمايةً قانونية لضحايا هذه الجريمة البشعة من جهة أخرى".

عصابات إجرامية

وأضاف عبد النباوي أنه "بالنظر إلى الطابع المختلف لهذه الجريمة عن باقي الجرائم، وتَعَقُّدِ أركانها، وتشابهها مع جرائم أخرى تشترك معها في بعض الخاصيات، ولاسيما الطابع العابر للحدود الوطنية، والأساليب المتطورة التي تستعملها العصابات الإجرامية المنظمة في ارتكابها، والاحتياطات الدقيقة المستعملة من قبل تلك العصابات لتلافي اكتشافها، فإننا نعتقد أن العدالة الجنائية مدعوة لاتخاذ كل التدابير الممكنة لمكافحة الاتجار بالبشر، سيما بالنسبة لبلدنا الذي يَستقطب حركية كبيرة للمهاجرين، سواء الراغبين في العبور نحو أوروبا، أو الذين يستقرون بالمملكة. وفي كلا الحالتين فإن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية تجعلهم فريسة سهلة ليصبحوا ضحايا للاتجار في البشر سواء من طرف شبكات الاتجار في البشر، عن طريق الاستغلال الجنسي أو الجسدي، أو من طرف الوسطاء ووكالات الوساطة في الخدمة في المنازل، التي تستورد العمال من بعض الدول الأجنبية. بالإضافة إلى استقطاب بعض المواطنات المغربيات لتهجيرهن نحو بعض الدول الأجنبية من أجل العمل، ثم سرعان ما يجدن أنفسهن ضحايا لشبكات الاتجار بالبشر".

تحدي أساسي

وأوضح عبد النباوي أن "التحدي الأساسي الذي يواجه أنظمة العدالة الجنائية، في العالم بالنسبة لجرائم الاتجار بالبشر، يكمن في التعَرُّف على الضحايا، باعتبارهم الخيط الأساسي للكشف عن المتجرين والإيقاع بهم". ولهذه الأسباب، يضيف عبد النباوي، نص القانون رقم 27.14 في المادة 52.5.1 على وجوب التعرف فورا على ضحية الاتجار بالبشر، وأتاح إمكانية منع المشتبه فيهم أو المتهمين من الاتصال بها أو الاقتراب منها. غير أن هذه الإمكانيات، يستدرك عبد النباوي، "لا تتحقق إلا بإقدام الضحايا على الإبلاغ عما يتعرضون له من استغلال، وهي مبادرة تعترضها عادة عدة عراقيل، منها ما يتعلق بجهل الضحايا أنفسهم لوضعيتهم كضحايا للاتجار بالبشر، أو لاعتقادهم بأنهم سيتعرضون للمتابعة عن الأفعال المخالفة للقانون التي تورطوا فيها في حالة إقدامهم على التبليغ. بالإضافة إلى خشيتهم وخوفهم من المتاجرين بهم، سيما وأنهم واقعون تحت سيطرتهم، مما يحول دون إقدامهم على التبليغ عن استغلالهم". ومما يزيد من تعقد هذه الأوضاع، بالنسبة للضحايا، ويسهل الأمر في الوقت ذاته للمتجرين، يضيف عبد النباوي، أن "الضحايا يكونون عادة من الفئات الهشة المنحدرة من مستوى اجتماعي وتعليمي متدني، يجهلون حقوقهم وواجباتهم، كما أن السيطرة التي يخضعون لها من طرف المتاجرين فيهم، تجعلهم في أوضاع نفسية تسلبهم القدرة على الاحتجاج أو التمنع، وبالتالي الإبلاغ".

حكايات واقعية

عرض بمناسبة انطلاق هذه الحملة التواصلية والتحسيسية شريطان مصوران تم إنجازهما بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين: الأول، عبارة عن وصلة تحسيسية، تعرف بجريمة الاتجار بالبشر وتحدد أركانها والوسائل المستعملة لارتكابها، وتدعو إلى التبليغ عنها. فيما الثاني، عبارة عن فيلم وثائقي يجسد حكايات واقعية للاتجار بالبشر يرويها بعض الضحايا، كما يعرف بالآليات المتوفرة للتكفل بضحايا الاتجار بالبشر ولاسيما من النساء والأطفال، وبالخدمات التي تقدمها الخلايا القضائية للتكفل بالنساء والأطفال في هذا الصدد.