بين ألمانيا والإمارات أكثر من علاقات صداقة، إنها عروة وثقى قائمة على نظرتين متقاربتين إلى الأمور، وطموح مشترك إلى عالم معتدل بلا إرهاب، وصلات اقتصادية متينة.

محمود العوضي من برلين: تحتفل ألمانيا هذا العام بالذكرى الثلاثين لإعادة توحيدها. إنها ذكرى إسقاط جدار برلين، ونحن في الإمارات مثل ألمانيا نعمل دائمًا على بناء جسور التعاون والوحدة والتكامل والتقدم وتعزيز النمو الاقتصادي، ومكافحة التطرف والعنف والإرهاب.

قواسم مشتركة

من الطبيعي أن تتعاون دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية ألمانيا الاتحادية في القضايا الرئيسية، التي من شأنها أن تجعل منطقتنا أكثر تقدمًا واستقرارًا. فبين الإمارات وألمانيا الكثير من المقومات التي تجعلهما شريكان مثاليان. إننا نتشارك الكثير من القيم، خصوصًا ما يتعلق منها بتعزيز التسامح والتفاهم والتواصل بين الشعوب وعبر الحدود. كما يؤدي البلدان، كل في منطقته، دورًا داعمًا للاستقرار وتحفيز التنمية الاقتصادية، إلى جانب كونهما من كبار مانحي المساعدات الإنسانية على مستوى العالم.

تستضيف الإمارات أكثر من 200 جنسية من جميع دول العالم، تسهم في التنمية الاقتصادية في الإمارات وفي بلدانهم، ما يجعلنا نمتلك رؤية منفتحة ومتوازنة. وتمتلك ألمانيا حضورًا راسخًا ودورًا محوريًا في قلب المشروع الأوروبي، وتشكل قوة اقتصادية وصناعية كبيرة، ما جعلها تحقق ازدهارًا كبيرًا، وتقدمًا ليس له مثيل في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

الشيح محمد بن زايد رفقة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل

بناءً على هذه العوامل المشتركة، والإرث الكبير للعلاقات الاستراتيجية القائمة على الصداقة والتعاون، والرغبة المشتركة في تعزيز الشراكة والتعاون معًا، وتحقيق أهدافنا المشتركة، رحب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بدعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لزيارة برلين، بمناسبة مرور 15 عامًا على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

اسس قوية

التقى وفد الإمارات الذي زار ألمانيا شخصيات حكومية، حيث كان الحوار شفافًا ومباشرًا كما ينبغي أن يكون بين صديقين حريصين على تعزيز العلاقات الثنائية وتحقيق المصالح المشتركة. كما التقى الشيخ محمد بن زايد أبناء الدولة المبتعثين وبناتها المبتعثات للدراسة في ألمانيا، في لفتة تعكس حرص الأب على الاطمئنان ومتابعة أحوال أبنائه.

كانت الفترة الماضية قد شهدت نشاطًا مكثفًا في التواصل بين الإمارات وألمانيا، حيث زار معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الدولة والمبعوث الخاص لدولة الإمارات إلى ألمانيا، برلين مرات عدة والتقى في خلالها مسؤولين حكوميين وشخصيات برلمانية، بهدف تعزيز الحوار المباشر ومناقشة السبل الكفيلة بتطوير التعاون الثنائي والانتقال به إلى آفاق جديدة تسهم في تعزيز المصالح المشتركة للبلدين الصديقين في مختلف المجالات، مثل السياسة والاقتصاد والعلوم والتعليم والثقافة والطاقة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا وغيرها.

&

سلطان الجابر وزير الدولة والمبعوث الإماراتي لألمانيا

&

تقوم علاقاتنا الثنائية مع ألمانيا على أسس قوية. فالإمارات موطن أكثر من 14 ألفًا من المقيمين الألمان، وحوالى 900 شركة ألمانية، وأكثر من نصف مليون سائح ألماني قاموا بزيارة الإمارات في العام الماضي. الأرقام تشير كذلك إلى أن الإمارات تستأثر بنحو 25 في المئة من إجمالي التجارة الألمانية مع الدول العربية، وترتفع هذه النسبة إلى 50 في المئة من إجمالي التجارة الألمانية مع دول الخليج.

&

الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس الألماني خلال توقيع اتفاقيات

تقارب وطموح مشترك

بلغت قيمة التجارة غير النفطية بين الإمارات وألمانيا أكثر من 13 مليار دولار، ما يوفر الآلاف من فرص العمل، ويعزز التقدم والابتكار لدى الجانبين.

إضافة إلى العلاقات الاقتصادية القوية، لدى الإمارات وألمانيا نظرتان متقاربتان وطموح مشترك لضمان السلام والأمن والاستقرار في المنطقة ومختلف أنحاء العالم، كما إننا ملتزمون مكافحة التطرف والإرهاب والعنف بأشكاله كلها، ونتشارك الرأي في أن الحل طويل الأجل لهذه الآفة يتطلب اعتماد نهج متعدد الأوجه للتصدي بفاعلية لخطاب الكراهية، وللدوافع الأيديولوجية الداعية إلى العنف والتمييز والتفرقة.

ساهمت هذه العلاقات القوية التي تقوم على التفاهم والتناغم في دعم وتشجيع إطلاق برنامج المركز العالمي للاتحاد الأوروبي لتعزيز القدرة على الصمود في وجه التطرف العنيف (STRIVE) في مركز الهداية الرائد في أبوظبي، حيث يهدف هذا البرنامج التعاوني إلى بناء قدرات الجهات الفاعلة، الحكومية وغير الحكومية، على مواجهة التطرف بشكل فاعل.

قصة نجاح

تؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة بتعزيز قيم التسامح والتعايش وتشجيع الحوار بين الثقافات والديانات المختلفة. ولم يكن بناء هذا الأنموذج سهلًا، كما أن المحافظة عليه دائمًا ليست سهلة، خصوصًا في منطقة تشهد بعض الاضطرابات كمنطقتنا.

&

الشيخ محمد بن زايد مجتمعا بوزير الخارجية الألماني هايكو ماس

تبقى دولة الإمارات ملتزمة رؤية قيادتها بالعمل المستمر لتقديم أنموذج إيجابي وقصة نجاح تنطلق من الشرق الأوسط إلى العالم، أنموذج يؤمن بالبناء وتعزيز الابتكار والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في بناء مستقبل مشرق، أنموذج يؤمن بالأخوّة الإنسانية والاحتواء وقبول الآخر ويرفض التطرف والفكر المنغلق القائم على الكراهية ورفض الآخر.

نتطلع إلى استمرار العمل مع شركائنا الألمان، في القطاعين العام والخاص، للبناء على علاقاتنا الثنائية الحالية والارتقاء بها على المستويات كافة.

وكانت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى برلين استراتيجية ومهمة جدًا بكافة المعايير، وسيكون لها دور كبير في الانتقال بالعلاقات بين دولة الإمارات وألمانيا إلى آفاق جديدة من التعاون في مختلف المجالات لضمان استمرار المساهمة في إعلاء صرح الحضارة الإنسانية وتحقيق الطموحات المشتركة.

&

مع الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير