باريس: مع إعلان الاندماج بين العملاقين الأميركيين للصناعات الجوية الدفاعية "يو تي سي" و"رايثيون"، تواجه أوروبا تساؤلات حول ضعفها في هذا المجال بمواجهة الشركات الضخمة الأميركية وقريبا الصينية التي يغذيها الطلب العام.

ورأى المدير المشارك لمكتب الدراسات "بوسطن كونسالتينغ غروب" فيليب بلوفييه "هناك اختلال متزايد في التوازن بين الطريقة التي تُبنى فيها الصناعات الجوية والفضائية والدفاعية في أوروبا، وما تفعله الكتلتان اللتان ستواجهانها، الولايات المتحدة والصين".

وتابع "في الولايات المتحدة، والصين التي تسير على النمط ذاته، لدينا صناعة دفاعية في غاية الازدهار (...) ازداد حجمها بثلاثة أضعاف على صعيد الإنفاق خلال بضع سنوات".

ومن المتوقع أن يصل الإنفاق الدفاعي الأميركي هذه السنة بعدما قامت إدارة الرئيس دونالد ترامب بزيادته، إلى "مستوى مرتفع للغاية قدره 700 مليار دولار مقابل 200 مليار عام 2002".

وعلى سبيل المقارنة، فإن مجموع الإنفاق الدفاعي لأكبر خمس دول أوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا) بلغ العام 2018 حوالى 200 مليار دولار، بحسب مكتب "آي إتش إس ماركيت".

وفي ظل هذه الأوضاع، أعلنت "يو تي سي" و"رايثيون" الأحد، قبل أسبوع من افتتاح معرض لو بورجيه الدولي للصناعات الجوية والفضائية في فرنسا، عن اتفاق اندماج سيولّد واحدة من أكبر المجموعات العالمية في قطاع الطيران والدفاع.

وأعلن رئيس "يونايتد تكنولوجيز" غريغوري هايز الذي سيترأس المجموعة الجديدة أن "الانصهار بين يونايتد تكنولوجيز ورايثيون سيحدد مستقبل الصناعات الفضائية والدفاعية".

وستبلغ إيرادات الكيان الجديد المشتركة نحو 74 مليار دولار عام 2019. وسيتمكن من جني ثمانية مليارات دولار سيولة في السنة، ما سيسمح له بالاستثمار في البحث والتطوير اللذين يشكلان جوهر هذا القطاع.

وسلكت المجموعات الأوروبية الكبرى أيضا طريق الشراكة والتقارب، فاستحوذت شركة "سافران" على "زودياك أيروسبيس" فيما اشترت "تاليس" شركة "جيمالتو".

في المقابل، فشلت عام 2012 محاولة تقارب بين إيرباص والبريطانية "بي إيه إي سيستمز"، كانت ستنبثق عنها شركة عملاقة تتوزع أعمالها بالتساوي بين المدني والعسكري، وذلك بسبب معارضة المانيا.

- التمهيد للمستقبل -

وأوضح خبير صناعات الطيران في مكتب "أليكس بارتنرز" نيكولا بوغران "لدينا سلسلة قيّمة في طور إعادة التشكيل" مضيفا أن "ترقب تراجع عدد البرامج الكبرى (للطيران التجاري) يدفع الأطراف إلى البحث عن مصادر نمو أخرى (...) ومقاومة الضغوط على النفقات"، ما يشجع على تعزيز القطاع.

لكن بلوفييه قال "إذا قارنتم إيرباص وسافران وتاليس بالشركات الأميركية الكبرى، سترون أن شركاتنا تسجل المزيد منالنمو، وفي نهاية المطاف المزيد من الأرباح، لكنها في المقابل لا تتمكن من تحقيق سيولة. فهي تستخدم كل السيولة لديها من أجل نموها".

وتجني إيرباص 4 مليارات دولار من السيولة في السنة، مقارنة مع 12 مليار دولار لشركة بوينغ.

وقال "المشكلة أنه إذا لم تتوافر السيولة، فلا يمكن التحديث، أي أن هناك قدرات أقل على التمويل الذاتي للتوظيف في البحث والانتقال الرقمي، وبالتالي لا نستعد كما ينبغي للمستقبل".

كما أن الشركات الكبرى في الولايات المتحدة تعيد توظيف السيولة المقتطعة من أنشطتها الدفاعية في القطاع التجاري، ما يتيح لها عرض منتجات "ذات قدرة تنافسية كبيرة جدا على صعيد الكلفة في السوق"، بحسب بلوفييه.

ولفت في المقابل إلى أن الميزانيات الدفاعية في أوروبا ليست جزءا يسيرا من الميزانية الأميركية فحسب، بل هي "تشكل مخاطر على صناعيينا".

واضطرت إيرباص إلى التفاوض على مدى سنتين مع الدول التي قدمت طلبات لشراء طائرتها "إيه 400 إم" &لوقف النزيف المالي حول برنامج طائرة النقل العسكرية بسبب دفتر شروط بالغ التعقيد.

وأكد الخبير "لا تصادفون مثل هذا الأمر في الولايات المتحدة (...) ترون أن هناك حماية لهامش الصناعيين بنسبة 15%".

وتابع "هذا يؤدي إلى وضع (في أوروبا) تضطر معه الشركات إلى تموين قاعدتها الصناعية ليس عبر الدفاع، بل من خلال الفرع التجاري. نسير على قدم واحدة&مستندين إلى صناعاتنا التجارية".