جرجيس: سارع شمس الدين بوراسين إلى طلب النجدة عندما شاهد قارب مهاجرين يواجه صعوبات في عرض البحر قبالة سواحل تونس، لكن قبل مغادرته المنطقة بعد يومين عند انتهائه من الصيد، اضطرّ إلى التحرك بنفسه لإنقاذهم.

&يجد الصيادون التونسيون أنفسهم أحيانا كثيرة وحيدين أمام مهام إغاثة المهاجرين غير القانونيين الذين ينطلقون من ليبيا المجاورة باتجاه السواحل الإيطالية، مع انحسار دور المنظمات الناشطة في هذا المجال والسفن العسكرية الأوروبية بسبب عراقيل قضائية وإدارية تعترضها في شرق المتوسط.

وقام طاقم سفينة شمس الدين بوراسين وثلاثة سفن صيد أخرى في 11 مايو بإنقاذ المهاجرين الـ69 التائهين في مركبهم بعد خمسة أيام على إبحارهم من مدينة زوارة في شمال غرب ليبيا.

ويقول بدر الدين مشارك، صاحب سفينة صيد في ميناء جرجيس القريب من السواحل الليبية التي ينطلق منها المهاجرون القادمون من إفريقيا كما من آسيا، متحدثا لوكالة فرانس برس "المنطقة التي نصطاد السمك فيها تشكل نقطة عبور" بين &زوارة القريبة من الحدود التونسية وجزيرة لامبيدوسا الايطالية.

وقام غالبية الصيادين في ميناء جرجيس في السنوات الأخيرة بانتشال مهاجرين تعطلت مراكبهم أو واجهت عواصف، فأنقذوا المئات منهم.

ومع تحسن الأحوال الجوية وحلول موسم الصيف، تكثفت حركة الهجرة من جديد انطلاقا من ليبيا، ويخشى الصيادون التونسيون حدوث مأساة في المنطقة البحرية التي يصطادون فيها.

ويكشف بدر الدين مشارك الخمسيني صاحب مركب قديم لصيد السردين يشترك فيه مع أخيه "نُعلم &السلطات أوّلا، لكننا في نهاية المطاف ننقذهم بأنفسنا".

وتسعى السلطات الأوروبية للحد من الهجرة غير القانونية وتتولى البحرية التونسية بامكانياتها المحدودة اعتراض قوارب المهاجرين في مياهها الاقليمية.

ولم تشأ السلطات التونسية التعليق على الموضوع لدى اتصال وكالة فرانس برس بها، وهي تمنع منذ 31 أيار/مايو إنزال 75 مهاجرا عالقين في مركب تونسي مصري أنقذهم في المياه الدولية.

"مثل ملائكة"

ويتابع مشارك "كلهم تنصلوا"، مضيفا "اذا أبحرنا واعترضنا مهاجرون يطلبون الاغاثة، نتوقف عن العمل (الصيد) ونفعل المستحيل لانقاذهم".

ويقول "نعمل يوما أو يومين (في الأسبوع). فإن عثرنا عليهم في اليوم الثاني، نكون عملنا لليلة، لكن إن عثرنا عليهم في الليلة الأولى، فعلينا العودة بهم" إلى البر".

وتتعقد المسألة عندما يعثر الصيادون على المهاجرين قرب الشواطئ الايطالية. وأوقفت السلطات البحرية الايطالية بوراسين وطاقمه منتصف العام الفائت وسجنته شهرا عندما حاول إغاثة مركب مهاجرين قرب جزيرة لامبيدوسا.

وتراجع دور سفن الاغاثة التابعة لمنظمات غير حكومية وسفن عملية "صوفيا" لمكافحة تهريب المهاجرين خلال 2019 بسبب انحسار نطاق تحرك العملية الأوروبية والتدابير التي اتخذتها الدول الأوروبية ضد المنظمات غير الحكومية للحد من وصول المهاجرين.

ويوضح مشارك "كانوا ينقذون الناس بالمعدات التي يملكونها...ولكن اليوم وفي غالب الأحيان نحن من يقوم بهذا الدور، وحين نغيب يلقى المهاجرون حتفهم".

وهو ما حصل في 10 مايو، إذ قتل ستون مهاجرا في حادث غرق فيما أنقذت سفينة صيد 10 آخرين بعدما قضوا ثماني ساعات في الماء.

يستذكر أحمد سيجور أحد الناجين وصول الصيادين لنجدتهم فجرا مثل "ملائكة"، ويقول البنغالي الثلاثيني "عندما راينا قارب الصيادين عاد إلينا الأمل بأننا سننجو الآن، لأن الرب أرسل لنا هؤلاء الصيادين مثل ملائكة لإنقاذنا" مضيفا "لو تأخروا عشر دقائق لكنت استسلمت" للموت.

درك البحر

يقول مشارك بتأثر "لا نريد أن نرى الجثث، من المفروض ان نذهب لصيد الأسماك لا الأشخاص".

ولا يخفي مشارك تذمر طاقم سفينته "يعمل عندي عشرون بحارا ويخشون الأمراض، بعض المهاجرين قضوا بين 15 و20 يوما في البحر دون الاستحمام، والرائحة لا تطاق".

لكنه يؤكد أن "البحارة في جرجيس لن يتركوا الناس يموتون في البحر".

ويقول منجي سليم المسؤول عن مركز إيواء المهاجرين في الهلال الأحمر التونسي أن "الصيادين هم درك البحر لأنهم يستطيعون التنبيه" مضيفا "يعلمنا بعض المهاجرين أن سفنا ضخمة تمر دون الاقتراب منهم".

ويقر صيادو سمك التونة في جرجيس بأنهم يتفادون أحيانا إغاثة المهاجرين إذ يتحتم عليهم كل سنة صيد الحصة المحددة لهم ضمن فترة قصيرة، لكنهم يؤكدون أنهم لا يتركونهم في عرض البحر بدون إغاثة.

ويقول أحد الصيادين طالبا عدم كشف اسمه "نطلق إشعارا (للسلطات) بوجود مهاجرين ولكن لا نستطيع إيصالهم الى البر، ليس لنا سوى بضعة أسابيع لصيد حصتنا".&

أما صيادو السردين، فحرموا من الوصول إلى المياه العميقة التي تزخر بالسمك شرق ليبيا بعدما بسط خفر السواحل والجماعات المسلحة في البلد الذي تعمه الفوضى مراقبتهم على هذه المناطق.

ويقول مشارك "انهم مسلحون ولا يمزحون... تم توقيف &بعض الصيادين الذين اقتربوا من ليبيا، لأننا نزعجهم كوننا شهود عندما نرى الحراقة (مهربو المهاجرين)".

ويرى بوراسين &ان "هذا الصيف سيكون صعبا مع عودة القتال في ليبيا واستئناف نشاط المهربين، هناك مخاطر بحدوث عدد كبير من حوادث الغرق".&