الحرب العراقية الإيرانية
Getty Images
إحرق ناقلة في مضيق هرمز خلال الحرب العراقية الإيرانية، دسيمبر 1987

ناقلات مشتعلة في الخليج، وسفن حربية أمريكية تستجيب لنداءات الاستغاثة، وخطاب عدائي يثير مخاوف اندلاع صراع أوسع في المنطقة.

"لقد شهدنا هذا سابقا، أي قبل 28 عامًا، اصطدمت أمريكا وإيران في المياه نفسها، وتعرضت السفن لهجمات قتل وجرح فيها أفراد من طواقمها.

وقبل أن ينتعي الأمر، تم إطلاق النار على طائرة إيرانية، عن طريق الخطأ، كانت تحلق في السماء.

هل يمكن أن يحدث هذا مرة أخرى؟

شكلت "حرب الناقلات وسفن الشحن" لحظة من التوتر الدولي الشديد في نهاية الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثمانية أعوام.

كلا الجانبين كان يهاجم المنشآت النفطية للآخر منذ منتصف الثمانينات.

وسرعان ما تعرضت السفن المحايدة للضرب، حيث حاولت الدول المتحاربة ممارسة ضغوط اقتصادية كل ضد الآخر، وكانت ناقلات النفط الكويتية التي تحمل النفط العراقي، على وجه الخصوص، عرضة للخطر.

وكانت الولايات المتحدة بقيادة رونالد ريغان مترددة في المشاركة، لكن الوضع في الخليج أصبح خطيرًا بشكل متزايد، خصوصا عندما تعرضت السفينة الحربية الأمريكية، يو إس إس ستارك، لصواريخ "إكسوسيت" أطلقت من طائرة عراقية، زعم المسؤولون العراقيون لاحقًا أن ذلك كان حادثا عرضيًا.

وبحلول يوليو/ تموز 1987، أضحت السفن الحربية الأمريكية تُرافق ناقلات النفط الكويتية رافعة العلم الأمريكي. وبمرور الوقت، أصبحت المنطقة مسارا لأكبر القوافل البحرية منذ الحرب العالمية الثانية.

الخليج العربي
Getty Images
حاملة الطائرات الأمريكية جوادالكانال تحرس وترافق ناقلة في الخليج العربي، أكتوبر 1987

ومع مرور الوقت زاد الخلاف بين أمريكا وإيران.

وكان المرشد الأعلى في إيران، آية الله الخميني، يصف أمريكا بـ "الشيطان الأكبر" منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.

وشهدت الفترة ما بين عام 1979 إلى عام 1981 تذمرا أمريكيا كبيرا بسبب العار والذل الذي لحقها نتيجة احتجاز إيران 52 من دبلوماسييها كرهائن لمدة 444 يومًا.

و على الرغم من أن إيران والعراق كانتا مسؤولتين عن الأزمة، إلا أن حرب الناقلات أصبحت بشكل ملحوظ جزءًا من الخلاف الطويل الأمد بين إيران وأمريكا.

ولم يختف هذا النزاع مطلقًا، بل عاد ليظهر بشدة مرة أخرى في أعقاب قرار دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015 وفرض عقوبات مشددة على إيران.

وأصبح الممر المائي "مضيق هرمز" مرة أخرى، ساحة المواجهات بين طهران من جهة وواشنطن وحلفائها من جهة اخرى.

هل تغير شيء؟

يقول الدكتور مارتن نافياس، مؤلف كتاب عن حرب الناقلات: "لقد وسع الجانبان قدراتهما".

ويضيف: أصبحت إيران أكثر قدرة من أي وقت مضى على استخدام الألغام والغواصات والقوارب السريعة لمهاجمة وتدمير السفن العسكرية وسفن الشحن التجارية.

ويستطرد قائلا: لم تعد مجرد معركة في البحر، إن قدرة إيران على إسقاط طائرة استطلاع أمريكية متطورة يشير إلى معركة أخرى، هناك في الجو.

الطائرة بدون طيار
EPA
الطائرة بدون طيار 4 أي غلوبال هوك - أر كيو

هل يمكن أن يبدأ الجانبان في تبادل الضربات الموجعة؟

إذا تصاعدت الهجمات على ناقلات النفط، فقد تشهد المنطقة عودة لمرافقة السفن الحربية الأمريكية لناقلات والسفن الشحن في الممر المائي مرة أخرى.

في 24 يوليو 1987 ، اصطدمت ناقلة كويتية تحمل العلم الأمريكي بلغم إيراني في أول قافلة بحرية ترافقها سفن حماية، مما دفع بالولايات المتحدة إلى نشر مزيد من القوات والسفن، وجعل الجانبين في مسار تصادم أكثر من ذي قبل.

وفي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، هاجمت المروحيات الأمريكية سفينة إيرانية بعد مشاهدتها وهي تزرع الألغام ليلاً.

وبعد ذلك بأشهر، تعرضت فرقاطة أمريكية، ووسفن أخرى لتفجيرات، دفعت القوات الأمريكية للرد بقوة أكبر من أي وقت مضى، فدمرت قواعد الحرس الثوري الايراني وهاجمت السفن الحربية الإيرانية.

وفي النهاية، انتهت الحرب. ولكن ليس قبل أن يصطدم الطراد الأمريكي، يو إس إس فينسنس، بطائرة إيرباص A300 الإيرانية ويسقطها، ظنا منه أنها طائرة حربية هجومية، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب وطاقم الطائرة البالغ عددهم 290 شخصا.

وقال التقرير الرسمي للحادث إن "الإجهاد ، وطبيعة المهمة و التضارب الغير مقصود للبيانات ربما لعب دورًا رئيسيًا في وقوع الحادث".

ودفع هذا الحدث بالبحرية الأمريكية للاستثمار بكثافة في التكنولوجيا والتدريب لتجنب مثل هذه الأخطاء الكارثية في المستقبل.

لكن نيك تشايلدز، المحلل البحري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية "أي أي اس اس، يقول إن البيئة التي نعيش فيها اليوم وتبادل المتنافسين للإنذارات الغاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي، يجعل الأجواء محمومة.

ويضيف: "لقد تغي فضاء المعلومات، الناس يشعرون بالقلق. والخطر هو أن كل طرف يسيء قراءة الطرف الآخر".

ويردف: من الواضح أن دونالد ترامب وحسن روحاني لا يريدان الحرب. لكن المتشددين من الجانبين أكثر غموضًا.

يقول الدكتور نافياس إننا لم نتجه لحرب ناقلات أخرى بعد.

ويضيف: "إننا لا نشهد حملة ضد الناقلات وسفن الشحن، ولكننا نشهد حملة ارسال إشارات ورسائل تهديد. يرسل الإيرانيون إشارات إلى الأمريكيين بأنهم قد يصعدون".

وعلى الرغم من كل هذه الدراما التي حدثت في عامي 1987 و 1988، فإن عددًا قليلاً جدًا من الناقلات غرق بالفعل، ولم تتوقف عملية الشحن عبر مضيق هرمز الاستراتيجي بشكل جدي على الإطلاق.

الآن، وبعد مرور 30 عامًا، أصبحت الولايات المتحدة أقل اعتمادًا على نفط الشرق الأوسط، أما إيران فلديها الكثير لتخسره من حيث الواردات والصادرات إذا ما أغلق المضيق.

في الوقت الحالي، تبدو حرب ناقلات أخرى غير مرجحة، لكن حقيقة أن أحداً لايريد حقًا مواجهة شاملة لا يعني ذلك أن حربا لن تحدث.

يقول الدكتور نافياس إن المخاطر حقيقية، و"هذا النوع من البيئات مليء بالاحتمالات".