أصيلة: شهدت الندوة الأولى من فعاليات منتدى أصيلة الثقافي الدولي الى 41 تباينا في وجهات نظر المتدخلين حول فهمهم للديمقراطية وعبئها الثقيل ، حيث أجمع المتدخلون في ندوة " عبء الديمقراطية الثقيل : اين الخلاص؟" على أن الديمقراطية تواجه تحديات عدة بالدول الغربية في الوقت الذي مازالت لم تجد طريقها إلى العالم العربي والأفريقي بالشكل الصحيح.

وترى سميرة إبراهيم بن رجب، المبعوث الخاص للديوان الملكي ووزيرة الدولة لشؤون الإعلام السابقة في البحرين، أن الديمقراطية "عبارة عن إيديولوجية سياسية واقتصادية يصعب على مجتمعاتنا العربية تطبيقها"، وأكدت أن دول العالم العربي في حاجة إلى التفكير في ديمقراطية تتناسب مع خصوصياته الثقافية والاجتماعية.
وقالت بن رجب "علينا أن نفكر في كيفية تأسيس ديمقراطيتنا كما تمارسها اليابان والصين وثقافات أخرى"، معتبرة أن هناك تنوع في "الديمقراطيات التي تعطي نوعا من الرفاه والازدهار الذي لم يتحقق في أوروبا نفسها".&

وأضافت المتحدثة ذاتها "وصلنا إلى مرحلة يجب أن نواجه أنفسنا، ما هي الديمقراطية التي نريد أن نصنعها لأنفسنا دون أن نقع تحت الضغط الغربي الذي وضع على شعوبنا وأنظمتنا بما يناسب المصالح الخارجية".&

وزادت بن رجب موضحة أن تحقيق الازدهار والرفاه للمجتمع هو الهدف الرئيسي للديمقراطية، ودعت إلى التفكير في إدارة هذه المسألة على المستوى العربي من خلال تسخير "أدوات الديمقراطية بخصوصياتنا المقبولة في المجتمع لنصل إلى حالة الازدهار الذي تصبو إليه الديمقراطية".

من جانبه، اعتبر نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق، أن الديمقراطية في الدول الصناعية الكبرى انتهت إلى انتخاب "شخصيات غير تقليدية مثل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وتنامي التيار اليميني في المتطرف في أوروبا"، وشدد على أن الديمقراطية تواجه تحديات في مختلف أنحاء العالم.

وقال فهمي إن التحدي الذي تواجهه حتى الأنظمة الديمقراطية هو "أن المواطنين يحسون بأنه لا يتم تمثيلهم بالشكل المطلوب عبر الانتخابات"، لافتا إلى أن هناك "غضبة شعبية" في الدول الأوروبية من القيادات السياسية مثل حركة أصحاب السترات الصفر في فرنسا.

وأفاد الدبلوماسي المصري بأن "لا وجود لأنظمة ديمقراطية مطلقة"، وأكد أن الاضطرابات الموجود في غالبية الدول العربية "تجعل من الصعب أن نصل إلى مراحل متقدمة من الديمقراطية إلا مع استقرار الأوضاع".

وزاد فهمي موضحا أنه مؤيد للممارسة الديمقراطية الوطنية، و"علينا أن نبذل أقصى جهد لطمأنة شعوبنا في العالم العربي لتحقيق الديمقراطية التي تتناسق مع العالم العربي وليس الديمقراطية المفروضة من الخارج".

من جانبه، أشار شبلي تلحمي، أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة ميريلاند الأميركية، بأنه على الرغم من الأزمة التي تعانيها الديمقراطية الغربية والفشل المسجل في بعض المنجزات "المواطنون لا يريدون الطعن في الديمقراطية وهذه الأزمة لا تؤدي إلى رفض الديمقراطية".

واعتبر تلحمي أن ثورة التكنولوجيات الحديثة "لا يخل بالديمقراطية فالمشكل هو الفشل في الاستجابة لتطلعات المواطنين"، مقرا في الآن ذاته بأن جماعات الضغط هي التي تسير الانتخابات وتؤثر في نتائجها.

وأضاف تلحمي أن الوضع أدى إلى اتساع التفاوت بين أحوال الفقراء والأغنياء، "من حيث المساواة ذهبنا إلى التفاوت وظهرت نخبة جديدة تريد أن تتحكم في كل شيء عن طريق المال"، معتبرا أن التوازي بين الجانب المالي والاقتصادي من جهة والسياسي من جهة ثانية، من الخصوصيات المميزة للديمقراطية الغربية.&

وأكد تلحمي أن مشكلة الديمقراطية تكمن في غياب "أفكار جديدة للنخب السياسية لمواجهة التحديات الجديدة مثل العدالة الاجتماعية التي تتزايد حتى في الدول الغربية".

من جانبها، أكدت ماريا أوجينيا بريزويلا دي أفيلا، وزيرة خارجية السلفادور السابقة أنه من دون إشراك المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية لا يمكن تحقيق الديمقراطية، مشددة على أن إشراك النساء في الحياة العامة بالشكل المطلوب "كفيل بتحقيق التنمية المستدامة".

وأضافت دي أفيلا: "رغم أن عدد النساء في العالم بلغ3 مليار ونصف مليار مازالت تمثيلية المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية ضعيفة"، موضحة أن الرقابة على ممارس السلطة من طرف النساء "كفيلة بتحقيق التوازن في مجال العدالة وحقوق الإنسان وعلينا أن نسعى لترسيخ الديمقراطية من خلال إشراك المرأة".&

وزادت دي أفيلا مؤكدة أن المرأة لها أدوار متعددة في المجتمع واعتبرتها "مفتاح بناء مجتمعات متوازنة وسليمة"، كما دعت إلى تمكين المرأة من المشاركة الفاعلة لتغيير العالم وتحسين ظروف ساكنته.

أما دانييل ميتوف، وزير خارجية بلغاريا السابق، فسجل بأن الديمقراطية فرضت "كوابح على الإنسان للحد من تركيز السلطة والثروة في يد واحدة أو يد عدد قليل من الأقارب والتقليص من حدة تضارب المصالح ومكافحة الفساد".&

وأضاف ميتوف أن الديمقراطية "تكبح ممارسة الغرائز الفطرية والميل إلى ارتكاب الفساد والاستيلاء على السلطة وتساعد المجتمعات على مكافحة الفساد"، لافتا إلى أنه "لا ينبغي أن ننظر إليها كابتكار غربي، فأنا من شرق أوروبا وأؤيدها".

وزاد موضحا أن الأهم بالنسبة للديمقراطية هو "ممارسة الحكم الرشيد وتحمل المسؤولية أمام المواطنين ويعرف الجميع كيف تنفق أموال دافعي الضرائب".وقال "أنا لا يهمني الإسم، المهم هو المثل العليا للديمقراطية، وهي عبارة عن قاسم مشترك وهذا هو جوهرها الذي يتماشى مع عصرنة العالم".

ويرى إريك ديريك، قاضي بالمحكمة الدستوورية ووزير خارجية بلجيكا سابقا٣، بأن الديمقراطية في أوروبا ليست مهددة، مبرزا أنه لأول مرة "أوروبا مقتنعة بأن الرفاه غير مضمون كما كان عليه الحال في السابق".&

وقال ديريك إن نسب المشاركة في الانتخابات الأخيرة كان قياسيا ووصول الأحزاب الشعبوية واليمينية إلى البرلمان لا يثير المخاوف لأن هذه فئة يجب أن تتاح لها الفرصة للتعبير عن موقفها وإيصال صوتها.

وحذر وزير الخارجية البلجيكي السابق من استفحال التوجه الليبرالي وتغوله ليجعل الليبرالية فوق الديمقراطية، لافتا إلى أن هناك "زمرة تريد السيطرة على العالم وعلى النظام الديمقراطي"، وأضاف "لن نسمح للانتهازيين بأن يفرضوا أفكارهم وسياساتهم، والمشكل في السياسات الاجتماعية ونحن في حاجة إلى تقوية أوروبا وليس إضعافها وتجنب الاختلالات الخطيرة"، حسب تعبيره.

وفي المقابل، اعتبر برنار مومبي، وزير الخارجية السابق بتنزانيا، أن محاولة استنساخ التجارب الأوروبية في الديمقراطية بدول أفريقيا أثر سلبا على القارة، مؤكدا أن الدول الغربية فرضت على الدول الأفريقية "إنشاء الديمقراطية كشرط للحصول على المساعدات وليس لسواد عيوننا".

وأضاف مومبي أنه مع استنساخ هذا النظام على النمط الأوروبي "لاحظنا أنها كانت تظهر الصراعات مباشرة بعد الانتخابات والحروب الأهلية وكان هناك نوع من تمزيق الدول بسب هذا التوجه وازداد عدد اللاجئين في القارة.

وانتقد وزير خارجية تنزانيا السابق، غياب حضور القارة الأفريقية في التمثيلية الدائمة بمجلس الأمن، مؤكدا أن أكثر من 70 بالمائة من المشاكل التي يناقشها مجلس الأمن تتعلق بالقارة الأفريقية ولا نجد لها حلا.

وأفاد مومبي بأن الأفارقة فشلوا" في إقناع مجلس الأمن بقبول عضوية الدائمة فيه، وعلينا أن لا نسمح لأحد بأن يعطينا الدروس في الديمقراطية، ونبحث عن إيجاد الحلول لمشاكلنا فيما بيننا كأفارقة ولا نقبل أي تدخل من الخارج".