يقول تقرير أميركي سري، حصلت "إيلاف" على نسخة منه، إن ناقلات نفط عائدة إلى شركات يملكها الأذري مبرّز مانسيموف، خرقت العقوبات النفطية المفروضة على إيران، إذ نقلت نفطًا إيرانيًا من موانئ إيرانية إلى موانئ خليجية وروسية.
&
خاص إيلاف من لندن: ليس اسم مبرّز مانسيموف مطروقًا كثيرًا، خصوصًا في الأذن العربية. وربما كانت أول مرة يعلو الصوت مناديًا بهذا الاسم في نوفمبر 2018، حين استشاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غيظًا من فاتح بولاط، رئيس تحرير صحيفة "أفرنسال" التركية، حين نقل في مقالته الافتتاحية جزءًا من تقرير للصحافي البريطاني كريغ شاو في موقع "البحر الأسود" الإنكليزي، كشف فيه عن اتفاق سري بين عائلة إردوغان ورجلي الأعمال التركي صدقي آيان والأذربيجاني مبرّز مانسيموف بشأن العمل في مجال النقل البحري، وحصول عائلة أردوغان على ناقلة نفط هدية مقابل تسهيلات تقدمها للرجلين في أعمالهما.
&
تقرير سري

إلى هنا، تبدو القصة قصة فساد عادية. لكن، قبل أيام، وتحديدًا في 15 مايو الماضي، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزينة الأميركية تقريرًا سريًا موثقًا، حصلت "إيلاف" على نسخة منه مع الوثائق الإيضاحية والمستندات والقرائن المشفوعة به، يؤكد فيه أن مبرز مانسيموف، القطب النفطي الأذربيجاني - التركي وصاحب شركة "بالمالي" للنقل البحري يملك ناقلتي النفط الكبيرتين "أغسو" و"أغداش" اللتين نقلتا النفط الخام الإيراني من ميناء بندر خميني إلى ميناء الفجيرة، وهو ميناء خليجي رئيسي لتصدير النفط، تمر به الصادرات النفطية الخليجية كي لا تضطر لعبور مضيق هرمز، الذي تهدد إيران بإقفاله كلما تصاعد التوتر بينها وبين الولايات المتحدة.

كما شارك مانسيموف وشركات الشحن المملوكة له في شحن النفط الإيراني من ميناءي أميرأباد وأنزالي الإيرانيين إلى ميناءي أستراخان وروستوف الروسييين.

تذكيرًا، روى بولاط إن كريغ شاو قال في 19 مايو 2017 إن "وثائق بنما" فضحت أردوغان، وأكدت امتلاك أسرته ناقلة نفط قيمتها 26.5 مليون يورو، استحوذت عليها من خلال شركات وهمية مسجلة في ملاذات ضريبية في مالطا وجزيرة مان، سدد آيان ربع ثمن ناقلة آل أردوغان النفطية، وسدد مانسيموف الباقي.

ما الناقلة المذكورة هنا إلا "أغداش" نفسها، التي يقول التقرير السري الأميركي إن ملكيتها تعود إلى مانسيموف، صاحب مجموعة شركات "بالمالي" التي تتوزع مقراتها بين إسطنبول ومالطا وروستوف الروسية، والتي شاركت في خرق العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
&
تهريب النفط الإيراني

يصنف تقرير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عمليات نقل النفط الخام الإيراني على متن ناقلات مانسيموف ضمن المعاملات المحظورة بموجب لوائح العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

يقول تقرير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، الذي لم يتسنَّ لـ"إيلاف" التأكد من صحته، إن خلال هذه الرحلات بين الموانئ الإيرانية وموانئ خليجية وروسية، أمرت إدارة الشركة المالكة، أي "بالمالي" للشحن البحري، المملوكة بالكامل لمانسيموف، السفينة "أغسو" بإيقاف تشغيل نظام التعرف التلقائي، لتجنب تتبع الطرق البحرية الموثقة في الوثائق الأميركية المتصلة بالصيغ التنفيذية للعقوبات على إيران.

في تفصيل دقيق، قال التقرير الأميركي إن مانسيموف وشركته للشحن البحري اعتادا تحصيل المبالغ الطائلة من عمليات نقل النفط الإيراني إلى الموانئ الخليجية والروسية، لذا زجّ بالناقلة "أغاش"، بعدما كانت الناقلة "أغسو" وحدها تتولى هذه العملية، فتوجهت إلى الخليج وعبرت مضيق هرمز في 16 مارس 2019، ونفذت رحلتين لنقل النفط الإيراني من ميناء بندر عباس إلى ميناء الفجيرة.

وصل إجمالي عدد رحلات الناقلة "أغسو"، التي تعدّ خرقًا لقانون العقوبات الأميركية على إيران، 20 رحلة نقلت في خلالها ما مجموعه 250 ألف طن متري من النفط الإيراني الخام بين بندر خميني والفجيرة.
تضمّن التقرير العديد من الخرائط البحرية التي تبيّن خطوط إبحار الناقلات النفطية الخاصة بمانسيموف بين الموانئ الإيرانية والموانئ الخليجية والروسية، محملة بالنفط الخام الإيراني.
&
تمويل أذرع إيران

يضيف تقرير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للخزينة الأميركية أن تكرار عمليات النقل التي شملت كميات كبيرة من النفط الإيراني الخام يثبت العلاقات الوثيقة والمعقدة التي تربط مانسيموف بشركة النفط الوطنية الإيرانية وشركات أخرى يملكها فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.

كما أن عمليات نقل شحنات النفط الإيراني إلى موانئ خليجية التي نفذتها شركة "بالمالي" للشحن البحري ساهمت بمد أذرع إيران الإرهابية، وفي مقدمها حزب الله وحماس وفيلق القدس في الحرس الثوري، بمئات الملايين من الدولارات.

يخلص التقرير إلى أن مانسيموف وشركات الشحن التابعة له تمثل تحديًا للسلطات الأميركية والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة بصرامة على المتورطين في أنشطة تجارية محظورة مع إيران.
&
هروب إلى الأمام

لا شك في أنّ لصدور التقرير الأميركي اليوم صلة بالتوتر المتصاعد بين إيران من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى، على خلفية تجديد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب العقوبات النفطية على إيران، لمنعها من تصدير نفطها نهائيًا، في تشديد للضغوط عليها كي تتراجع عن برنامجها النووي، بعدما تبيّن استمرارها فيه غير آبهة بالإرادة الدولية، على الرغم من زعمها التزامها بنود الاتفاق النووي الذي عقدته مع دول 5+1، وهو الاتفاق الذي ألغاه ترمب.

فإيران المحاصرة بالعقوبات تحاول فعليًا الهروب منها إلى الأمام: أولًا بالاستمرار في تصدير نفطها إما لدول لم تلتزم العقوبات الأميركية كالصين وروسيا وكوريا الشمالية، وإما تهريبًا من خلال شركات متعددة الجنسية، كشركة بالمالي مثلًا، التي يملكها مانسيموف، موضوع اتهام التقرير الأميركي؛ وثانيًا بزعزعة الاستقرار في الخليج، إن باعتراض السفن النفطية في مضيق هرمز، كما حصل مع الناقلة البريطانية، وإن باختلاق المشكلات الأمنية في المياه الدولية وفي الخليج وبحر عُمان.&

إن السلوك الإيراني هو ما دفع بريطانيا إلى اعتراض ناقلة تهرّب نفطًا إيرانيًا إلى النظام السوري في جبل طارق، ما أدى إلى تصاعد التوتر بين لندن وطهران. هذا ما تريده إيران في الأصل، لأنه يصرف النظر عن تهريب النفط الإيراني إلى موانئ مختلفة، روسية بالدرجة الأولى.
&
عودة القرصنة!

ثمة خشية من ألا تنحسر التطورات البحرية الأخيرة، وألا تنحصر في سياق التنفيس السياسي الإيراني، لتتجاوز ذلك إلى التأسيس لحالة غير مستقرة في الخليج العربي، شبيهة إلى حد بعيد بما كان يجري في بحر العرب من عمليات قرصنة تستهدف ناقلات النفط، ما يعرض الإمداد النفطي العالمي للخطر، وما يخدم الأهداف الإيرانية في إرساء جوّ من عدم الاستقرار وتحميل واشنطن ولندن وحلفائهما&في المنطقة المسؤولية عنه.

فمحاولة خمسة زوارق تابعة للحرس الثوري الإيراني الاستيلاء على السفينة البريطانية "بريتيش هيريتيدج" في مضيق هرمز هو عمل قرصنة بامتياز، وهو الأمر الذي اضطر بريطانيا إلى إرسال فرقاطة جديدة إلى مياه الخليج لحماية إمداداتها النفطية من القرصنة الإيرانية.

كما أن ثمة خشية أكبر من نقل إيران حالة عدم الاستقرار هذه من بحر العرب الى بحر الخليج العربي، في سياق استهدافها الدول الخليجية في أمنها، وفي مقدمها السعودية التي تسعى جاهدة إلى إبعاد التجارة النفطية عن تداعيات الصراعات السياسية، وتأثيرات مواجهة النيّات الإيرانية في زعزعة الأمن في الخليج العربي.
&
اتهامات بالجملة

في ديسمبر 2015، اتهمت روسيا تركيا، وتحديدًا عائلة الرئيس التركي، بالاستفادة مباشرة من تجارة النفط غير المشروعة مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وقالت تركيا في حينها إن ناقلات النفط التي يُزعم تورطها في هذه التجارة غير المشروعة مسجلة في مالطا، ترفع كلها العلم المالطي في ملاحتها. وهذا ما نفته تركيا حينئذٍ.

إلا أن التقارير الصحفية الصادرة آنذاك وجهت اصبع الاتهام إلى واحدة من عشرات الشركات التي أسسها مانسيموف في مالطا، والتي قدمت ناقلت نفط إلى بلال أردوغان، نجل الرئيس التركي.

وقالت هذه التقارير إن تركيا أسقطت طائرة سوخوي روسية فوق الأراضي السورية في 24 نوفمبر 2015 لحماية شركة بلال أردوغان التي تتولى تهريب النفط، أي أن السبب اقتصادي لا سياسي ولا عسكري، وهذا ما دفع الروس إلى الاكتفاء بالإدانة والعمل الدبلوماسي، من دون اي رد عسكري.

لم يأتِ التقرير الأميركي الأخير، الذي اطلعت عليه "إيلاف"، على ذكر نجل الرئيس الروسي، أو الدور التركي في تهريب النفط الإيراني، إلا أن ثمة إشارات أميركية متعددة إلى تواطؤ تركي، ربما من خلال شركة "بالمالي" للشحن البحري، في تهريب النفط الخام الإيراني، خصوصًا أن تركيا رفضت مرتين التزام العقوبات الأميركية على إيران، مرة في نوفمبر 2018، وثانية في أبريل الماضي.&