&ياسر الغسلان& &&

المشكلة الأكبر التي يواجهها ترمب منذ قدومه للرئاسة لم تكن التحديات الاقتصادية والسياسية ، بل هي في غضب طبقة فكرية وماكينة معارضة ليبرالية

‬‬لم تسجل الذاكرة القريبة لأي رئيس أميركي أنه واجه هجمة إعلامية كتلك التي واجهها ويواجهها الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ توليه مقاليد البيت الأبيض، ولعل من أهم الأسباب التي أدت لوصول حالة العداء للدرجة التي وصلت إليها اليوم هو أن الرئيس ذاته كان ومنذ عقود أحد أهم الشخصيات المثيرة للإعلام، كرجل أعمال وكشخصية اجتماعية عامة اتصفت بالخروج عن النص بكافة أوجهه الاجتماعية والتجارية والحياتية.
ترمب الرئيس لا يختلف كثيرا عن ترمب رجل الأعمال أو منظم مسابقات ملكات الجمال أو رجل التطوير العقاري، فالإعلام بالنسبة له وسيلة يمكن تطويعها بالمال أو بالخبر الانفرادي أو بالإثارة الكلامية، فجزء من العلاقة الشائكة بين الإعلام وترمب هو أن كلا الطرفين يقتات فيها، كل طرف على الطرف الآخر، ولكن دون أن يكون الاحترام هو الأساس الذي يحكم العلاقة، فالإعلام من جهته كان ولا زال يعمل على اعتبار ترمب رئيسا غير شرعي من الناحية السياسية والأخلاقية، نظرا للشكوك التي تدور حول دعم روسيا له في انتخابات الرئاسة التي أوصلته للبيت الأبيض، في حين يرى ترمب أن الإعلام يسير وفق توجيهات يحركها المال والأجندات السياسية التي تعارضه وتدعم منافسيه.


خلال العام المنصرم صدرت أعداد كبيرة من الكتب التي تتحدث عن الرئيس وإدارته، غالبها يعمل على شيطنته والنيل من شرعيته، ولعلنا نذكر الضجة التي أثارها كتاب «نار وغضب» لمؤلفة «مايكل ولف»، والذي حاول أن يظهر الرئيس بشكل سلبي وفاقد للرؤية السياسية وغير قادر على فرض احترام إدارته له، حيث توالت الكتب بعد ذلك وفي كل مرة يظهر كتاب جديد تجند وسائل الإعلام اليسارية كل طاقاتها للترويج عن الكتاب ومؤلفه، واعتبار محتواه كشفا جديدا يظهر ويؤكد سلبيات الرئيس وعدم أهليته لقيادة أعظم دولة في العالم.
خلال الشهرين الأخيرين ظهر كتابان ينتهجان ذات التوجه الناقد، إلا أن الفرق بين كتاب نار وغضب وهذان الكتابان هو أن الكتاب الآنف الذكر كتبه مؤلف لا يتمتع بالمصداقية والسيرة الذاتية التي تكفل له أن يكون مرجعا موثوقا، وهو تمام الرهان الذي اعتمد عليه ترمب ومؤيدوه في تفكيك محتواه والطعن في مصداقيتهم، إلا أن كتاب «المعتوه» الذي ألفته «أوماروسا نيومان» المساعدة السابقة في البيت الأبيض عن تفاصيل تجربتها أثناء عملها لمدة عام مع الرئيس الأميركي، وكتاب «الخوف: ترمب في البيت الأبيض» للصحفي المخضرم «بوب وودورد» الذي يرجع له الفضل مع زميله «كارل برنشتاين» في الإطاحة بالرئيس ريتشارد نيكسون، في الفضيحة التي عرفت بـ«ووترغيت»، يختلفان عن كتاب «ولف» في كون الأول يعتمد على مشاهدات وشهادات لأحد أركان إدارة ترمب ذاتها، وأحد المقربين منه والتي عملت معه منذ سنوات وقبل وصوله لرئاسة البيت الأبيض، لذلك اعتبر الكتاب على أنه كمن يقول: شهد شاهد من أهله.


كما أن الفرق في الكتاب الثاني هو أنه لا يمكن النظر إليه إلا من خلال سيرة الكاتب ذاته، والتي عملت وسائل الإعلام في الفترة التي سبقت نشر الكتاب في 11 سبتمبر الماضي على التأكيد بأنها سيرة كانت الدقة والمهنية أساسا لوصوله لما وصل إليه من مكانه في عالم الإعلام الأميركي والعالمي، فالكتاب الذي قمت بقراءته يسلط الضوء على مناحٍ من داخل البيت الأبيض استنادا على شهادات أفراد من داخل الإدارة، فعلى سبيل المثال يذكر أن وزير الدفاع «جيمس ماتيس» وصف مدى إلمام ترمب بالقضايا الخارجية بأنه يعادل معرفة طالب في الصف الخامس أو السادس الابتدائي، وهو رأي إن صدق يثبت مجددا كما يقول البعض إن ترمب لا زال غير قادر على فرض احترامه على قيادات إدارته، فلو كان قادر على ذلك لما قال ماتيس ما قال ولما تمردت عليه أوماروسا وانقلبت عليه علنا.
المشكلة الأكبر التي يواجهها الرئيس ترمب منذ قدومه للرئاسة لم تكن التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية والدولية، والتي يبدو أنه نجح في الكثير منها وفق رأي قاعدته الانتخابية، بل هي في غضب طبقة فكرية وماكينة معارضة ليبرالية لم تستطع أن تتجاوز ليس خسارتها فقط بل فوز مرشح كترمب في انتخابات 2016.


ترامب من جانبه لم يعمل كما يقول الكثيرون في واشنطن على تبني سياسة أكثر دبلوماسية وتعاطيا مع المبادئ التي قامت عليها أميركا، فاستمر في التعامل مع جميع القضايا وفق هواه وبدعم من حزبه الذي فقد القدرة على ضبطه والعمل كرقيب عليه، وهو ما دعا وزيرة الخارجية الأميركية السابقة «مادلين أولبرايت» على الخروج هي كذلك قبل أشهر بكتاب «الفاشية: تحذير»، تصف فيه ترمب بأنه يسير بالبلاد بعقلية تعود للثلاثينات من القرن الماضي، حيث كانت الولايات المتحدة تهتم فقط بنفسها وكانت منعزلة عن العالم وهمومه، وهي الحالة التي أدت لتفاقم الأزمات دوليا ونتج عنها بالتالي حرب عالمية.

&