&&حاتم البطيوي

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن الرهانات والتحديات، التي تواجه بلاده، متعددة ومتداخلة، ولا تقبل الانتظار والحسابات الضيقة، مشيراً إلى أن المغرب «يجب أن يكون بلداً للفرص، لا بلداً للانتهازيين. وأي مواطن، كيفما كان، ينبغي أن توفر له الحظوظ نفسها لخدمة بلاده، وأن يستفيد على قدم المساواة مع جميع المغاربة من خيراته، ومن فرص النمو والارتقاء».


وأضاف العاهل المغربي في خطاب وجهه مساء أمس إلى أعضاء مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، أن المغرب «يحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم، وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام ونكران ذات».
وخاطب العاهل المغربي نواب الأمة، قائلاً: «كونوا، رعاكم الله، في مستوى هذه المرحلة وما تتطلبه من خصال الوطنية الصادقة، وحرص على جعل مصالح الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار»، مذكراً بأنه دعا خلال السنة الماضية من منبر البرلمان إلى إعادة النظر في النموذج التنموي الوطني، وبلورة منظور جديد، يستجيب لحاجات المواطنين، وقادر على الحد من الفوارق والتفاوتات، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.
وزاد: «من جهتنا، فقد سعينا من خلال المبادرات والإصلاحات، التي أطلقناها هذه السنة، إلى وضع بعض اللبنات ورسم بعض التوجهات، وذلك بالتركيز على القضايا المستعجلة التي لا تقبل الانتظار، والتي تعد موضوع إجماع وطني، كالتربية والتكوين، والتشغيل وقضايا الشباب، ومسألة الدعم والحماية الاجتماعية».


ومن هذا المنطلق، قرر الملك محمد السادس تكليف لجنة خاصة، مهمتها تجميع المساهمات، وترتيبها وهيكلتها، وبلورة خلاصاتها، في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج، على أن ترفع إلى نظره، مشروع النموذج التنموي الجديد، مع تحديد الأهداف المرسومة له، وروافد التغيير المقترحة، وكذا سبل تنزيله.
من جهة أخرى، أوضح العاهل المغربي أن ما يضفي على هذه السنة التشريعية طابعاً خاصاً، كونها تأتي في مرحلة شعارها «روح المسؤولية والعمل الجاد»، مبرزاً أن التوجهات والتدابير التي دعا إليها، خصوصاً في خطابي العرش (الجلوس)، وذكرى 20 أغسطس (آب) تقتضي التعبئة الشاملة، والعمل الجماعي، وقيام كل واحد بدوره كاملاً، في ظل احترام القناعات والاختلافات.
وعبر الملك محمد السادس عن حرصه على مواكبة الهيئات السياسية، وتحفيزها على تجديد أساليب عملها، بما يسهم في الرفع من مستوى الأداء الحزبي، ومن جودة التشريعات والسياسات العمومية، داعياً إلى الرفع من الدعم العمومي للأحزاب، مع تخصيص جزء منه لفائدة الكفاءات التي توظفها في مجالات التفكير والتحليل والابتكار.
في سياق ذلك، أشار العاهل المغربي إلى أن التعبئة الوطنية، والعمل الجماعي «يتطلبان توفر مناخ سليم، وتعزيز التضامن بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وهو ما نهدف إلى تحقيقه من خلال الإصلاحات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية التي نعتمدها من أجل تحسين ظروف العيش المشترك بين جميع المغاربة، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية». وعبر عن حرصه على تعزيز هذه الروابط، التي تجمع المغاربة على الدوام، سواء من خلال اعتماد سياسات اجتماعية ناجعة، أو عبر تسهيل وتشجيع المساهمات التضامنية على مختلف المستويات.
ولهذه الغاية، دعا الملك محمد السادس إلى تبسيط المساطر (الإجراءات) لتشجيع مختلف أشكال التبرع والتطوع والأعمال الخيرية، ودعم المبادرات الاجتماعية، والمقاولات المواطنة، ووضع آليات جديدة لإشراك القطاع الخاص في النهوض بالميدان الاجتماعي، والمساهمة في تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، سواء في إطار المسؤولية المجتمعية للمقاولة، أو من خلال إطلاق شراكات بين القطاعين العام والخاص في هذا المجال.
في سياق ذلك، قال ملك المغرب إن «التوجيهات المهمة، التي قدمناها بخصوص قضايا التشغيل، والتعليم والتكوين المهني، والخدمة العسكرية، تهدف للنهوض بأوضاع المواطنين، وخصوصاً الشباب، وتمكينهم من المساهمة في خدمة وطنهم». فالخدمة العسكرية، يضيف العاهل المغربي، «تقوي روح الانتماء للوطن. كما تمكن من الحصول على تكوين وتدريب يفتح فرص الاندماج المهني والاجتماعي أمام المجندين، الذين يبرزون مؤهلاتهم، وروح المسؤولية والالتزام».


وأكد أن جميع المغاربة المعنيين، دون استثناء، سواسية في أداء الخدمة العسكرية، وذلك بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية وشهاداتهم ومستوياتهم التعليمية.
كما أعلن العاهل المغربي أنه يضع النهوض بتشغيل الشباب في قلب اهتماماته، ويعتبر أن هناك كثيراً من المجالات التي يمكن أن تسهم في خلق مزيد من فرص الشغل، معتبراً التكوين المهني «رافعة قوية للتشغيل إذا حظي بالعناية التي يستحقها، وإعطاء مضمون ومكانة جديدين لهذا القطاع الواعد».
وعلاوة على دور التكوين في التأهيل لسوق الشغل، قال ملك المغرب إن القطاع الفلاحي يمكن أن يشكل خزاناً أكثر دينامية للتشغيل، ولتحسين ظروف العيش والاستقرار بالعالم القروي، داعياً إلى تعزيز المكاسب المحققة في الميدان الفلاحي، وخلق مزيد من فرص الشغل والدخل، وخصوصاً لفائدة الشباب القروي. وفي هذا الصدد، وجه العاهل المغربي الحكومة لبلورة آليات مبتكرة لمواصلة تحفيز الفلاحين على مزيد من الانخراط في تجمعات وتعاونيات فلاحية منتجة، ومتابعة تكوين في المجال الفلاحي.
وبموازاة ذلك، دعا ملك المغرب إلى تعزيز وتسهيل الولوج للعقار، وجعله أكثر انفتاحاً على المستثمرين، سواء الأشخاص أو المقاولات، بما يرفع من الإنتاج والمردودية، ويحفز على التشغيل، مع الحفاظ على الطابع الفلاحي للأراضي المعنية، والتفكير في أفضل السبل لإنصاف الفلاحين الصغار، خصوصاً فيما يتعلق بتسويق منتجاتهم، والتصدي الصارم للمضاربات وتعدد الوسطاء.
وفي التوجه نفسه الهادف للنهوض بالتشغيل، دعا ملك المغرب إلى دراسة إمكانية فتح بعض القطاعات والمهن غير المرخصة حالياً للأجانب، كقطاع الصحة أمام بعض المبادرات النوعية والكفاءات العالمية، شريطة أن تسهم في نقل الخبرات، وفي خلق فرص شغل للشباب المغربي حسب مؤهلاتهم.


ومما يزكي هذا التوجه، يضيف عاهل المغرب، الاهتمام المتزايد الذي يعبر عنه كثير من المصحات والمستشفيات العالمية المشهود لها بالتميز من أجل الاستثمار في المغرب.
وخلص الملك محمد السادس إلى القول إنه «إذا كانت التحفيزات المغرية، تدفع بعض الطلبة للبقاء بالخارج، بعد استكمال دراستهم، فإن من شأن المبادرة التي نقدم عليها أن توفر الظروف الملائمة للكفاءات المغربية، قصد العودة للعمل والعطاء بأرض الوطن، إضافة إلى تشجيع المنافسة الإيجابية والسليمة، بما يسهم في الرفع من جودة الخدمات».