&سمير عطا الله

&قبل أشهر كتب مشعل السديري في زاويته البارعة نصاً عنوانه «خادم الطيور يتكلم»، إحدى رحلاته الوجدانية الجميلة. وروى علاقته مع طيور بَنَت لنفسها أعشاشاً على شجر قبالة منزله، تؤانسه وتسلّيه. تحية أبا المشاعل من قرى لبنان، حيث الخلود إلى أنس العصافير، أرقّ كالعادة، من أخبار الناس وأخبار البلد وشتائم السياسيين. ويا عزيزي وزميلي وجاري، لقد أمضيت سحابة من عمري، رفاقي الأشجار وأصدقائي الطيور. وكنّا نعرف بوصول الربيع، ليس من التقويم، بل من وصول أسراب السنونو، هازجةً فرحةً مندفعةً نحو الحقول بسرعة الخيول الملوكية.
يقول محبو الأدب الفرنسي إن أهم كتّاب السيرة الذاتية في القرن الماضي كانا أندريه جيد وجول رينار. وأغامر على طريقة المعجبين لأقول لك إن رينار كان في رأيي، أعظم كتّاب فرنسا. أما في كتابة المفكرات الريفية فكان الأكثر سحراً في جميع اللغات.
دعْني أهديك بعض ما كتب:


- لو كنت طائراً لما قبلت النوم إلا في الغيوم؛
- ثمة قشعريرة من الرياح تمر فوق القرى؛


- تشبه السنونوات حواجب منتشرة في الهواء؛
- أردت أن أعرف، ماذا يمكننا أن نحقق في القرية، إذا عرفنا الحقيقة وحدها؟ لا شيء؛
- البقرة. لقد أُخذ منها عجلها هذا المساء وأُعطي للراعي الذي سوف يربيه. ماذا ستفعل الآن، هذه الأم الطيبة التي لم تتعب من تشمم مولودها؟ مع أنها عائدة للتوّ من المروج، لن تتردد في تناول التبن الذي يقدمه لها فيليب. وتترك لزوجته أن تفرغ ضرعها. نقدم لها شيئاً من الخبز، فتبتلعه. بعد يومين لن تتذكر شيئاً. وشعورها الأمومي الذي بدا عميقاً، سوف يختفي؛
- اللغة لها زهورها، ولها شتاءاتها. هناك أساليب عارية مثل هياكل الأشجار اليابسة، وهناك أغصان وارفة. وهناك تكدس. ثم يحين دور التقليم؛
- الريح، إنها تعرف كيف تقلب الصفحات، لكنها لا تعرف كيف تقرأ؛
- على الغداء، يمسح فيليب شاربيه بقشرة الخبز؛
- الكستناء، قنفذ الثمار؛
- أن تحلم، هو أن تتأمل في ضوء القمر. قمر داخلي؛
- عندما تعمل، الصعوبة هي في أن تقدح ضوء قنديل العقل. بعدها يشتعل من تلقاء ذاته؛
- لا بد أن أتحصل على طاولة مفتوحة. هكذا أستطيع أن أخرج بها وأعمل في الهواء الطلق؛
- صوت القصب الحريري؛
- يتلاعب موريس بارسن بالمنطق كما يلعب الآخرون بالناي؛
- يبسط القمر سجادة من الثلج فوق السطوح.