& نبيل عمرو

&يحيى السنوار له صفة تفوق مسماه الرسمي، فمنذ انتخبته «حماس» قائداً لها في غزة، والرجل يحاول تقديم نفسه على أنه نمط قيادي مختلف، فلا هو خالد مشعل باعتداله الدبلوماسي الذي يفرضه المكان، ولا هو محمود الزهار بتشدده المفرط.

فمنذ توليه المنصب نجح في أن يكون محور الاهتمام في الأمر الذي يخص العالم كله، وهو التهدئة مع إسرائيل باتفاق أو دون اتفاق، ورفع الحصار عن غزة مقابل التهدئة المنشودة.
حديث الأسبوع في إسرائيل هو ما نشر على لسان السنوار في «يديعوت أحرونوت»، ولأن الأقلام والألسن في إسرائيل منفلتة العقال ولا محاذير على السياسيين والكتّاب مثلما عندنا، فقد تعددت تقويمات أقوال السنوار وتفاوتت تصنيفاتها بين حد أدنى يرى فيها خداعاً وتمويهاً على نيات عدوانية، وبين حد أقصى اعتبرها مبادرة قيمة تستحق أن تفتح إسرائيل لها حواراً مباشراً مع «حماس» في غزة ومع قائدها بالذات، حتى أن بعض السياسيين وجهوا لوماً مباشراً لنتنياهو لأنه لم يعلق على حديث السنوار، مع أن الاثنين يلتقيان على خط عدم الرغبة في حرب جديدة.
قرأت أقوال السنوار وأنا من المتابعين له منذ أن اقتحم منطقة الإعلام بلغته الجديدة، لم يعجبني ما صدر عن كثيرين من الحمساويين من تفسيرات ليس لما قال الرجل وإنما لأين قال، بدا أن كثيراً من الحمساويين يعتبرون حديثه لـ«يديعوت» سقطة تحتاج إلى تفسيرات ولو ملفقة لتغطيتها أو للدفاع عنها، ونقطة الارتكاز عند هؤلاء، هي أن الرجل أعطى حديثاً لصحيفة إيطالية وأن «يديعوت» اشترت المقابلة ونشرتها، إذن فما فعله السنوار في أمر الإعلام هو ما تفعله «حماس» في أمر السياسة، إذ من الممنوع والمحرم لقاء الإسرائيليين على أي مستوى وفي أي موضوع، ومسموح أن يكون اللقاء غير مباشر حتى في الإعلام.


لو أن ما قاله السنوار نشر في أي مكان غير صحيفة إسرائيلية لما انتبه إليه أحد، فالرجل لم يأتِ بجديد يحدث مفاجأة ويثير الدهشة، ولم يخرج عن الخط الأساسي لـ«حماس» في أمر المقايضة بالتهدئة مقابل رفع الحصار، فهذا موقف معلن إن بلغات متفاوتة حتى في خطب الجمعة وتصريحات أبو مرزوق، ولا أخال السنوار لم يكن عارفاً بردود الفعل التي ستحدثها مقابلته لمندوبة صحيفة إسرائيلية حتى لو كانت مموهة برداء إيطالي، ومعرفته المسبقة بذلك وإصراره على إجراء المقابلة وعدم اعتذاره عن خطيئة الحديث لصحيفة إسرائيلية، تضع الرجل في موقع الضمير المعلن للسياسة الحقيقية التي تنتهجها «حماس»، ولأن أقرب مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم، فقد ذهب السنوار إلى «يديعوت» وحقق ما يريد وهو بالضبط ما تريده حركة «حماس»... علاقة مع إسرائيل دون إقامة وزن حاسم لكون الأفضل أن تتم عبر طرف ثالث.
منذ أن استولت «حماس» على السلطة في غزة، ومنحت نفسها صلاحيات مطلقة في الإدارة والحكم والتحكم، وهي لا تغفل تهيئة الرأي العام الفلسطيني وغير الفلسطيني لقبولها كرقم سياسي إن لم يكن الأول فهو الأهم، وكان الطرف الثالث يعمل بدأب لتحقيق هذا الهدف حتى إن المؤسسة الإسرائيلية لم تتوقف عن الإعلان بأن بقاء «حماس» على رأس السلطة في غزة هو مصلحة إسرائيلية.
بالأمس تدفق الوقود لتغذية محطة توليد الكهرباء في غزة، واليوم أوقف هذا التدفق بقرار إسرائيلي بفعل رفع وتيرة العمل الحمساوي على السياج، وقد عادت المعادلة إلى موقعها الأصلي حيث ولا قطرة وقود دون ضبط الحدود مع غزة، وأن تصمت صمت القبور.
وفي سياق المساومات التي حدثت وكادت تفرز اتفاق تهدئة ترعاه مصر وتموله قطر، فإن ما قاله السنوار لـ«يديعوت» سوف يتحقق أخيراً، وقد يكون التصعيد الأخير المتبادل هو أعراض مخاض.