أجمع سياسيون وخبراء من دول عربية وأميركا اللاتينية على ضرورة تطوير علاقات الشراكة والتعاون بين دول المنطقتين من أجل مواجهة التحديات المشتركة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بهدف تحقيق التنمية المستدامة لشعوبها، مؤكدين عمق الروابط الثقافية التي تتقاسمها شعوب المنطقتين.


وطالب المشاركون في مؤتمر «الشراكة بين العالم العربي وأميركا اللاتينية والكاريبي دينامية متجددة... المغرب جسر للتعاون مع أميركا اللاتينية وبوابة نحو أفريقيا»، الذي انطلقت أشغاله مساء أول من أمس في الرباط، بضرورة تصحيح المسار؛ من أجل تقوية التعاون بين المنطقتين. وفي هذا السياق، قال حسن عبد الرحمن، الرئيس التنفيذي لمجلس العلاقات العربية مع أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، إن المؤتمر يهدف إلى بحث الواقع وكيفية تطويره لخدمة مصالح شعوب المنطقتين، عبر برامج وشراكات قابلة للتنفيذ.
ودعا عبد الرحمن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى منح هيئات المجتمع المدني الفرصة لتنفيذ هذه الخطط والبرامج، التي سيخرج بها المؤتمر، معتبرا أن الحكومات «توقع الاتفاقات فقط، وتفعيلها يحتاج إلى انخراط الشعوب من خلال مؤسسات المجتمع المدني، فهو القادر على تفعيل هذه المبادرات والشركات وتحويلها إلى حقيقة على أرض الواقع».


وسجل عبد الرحمن في افتتاح المؤتمر الذي ينظمه معهد الدراسات الإسبانية البرتغالية بالرباط، ومجلس العلاقات العربية مع أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، أن المنطقتين العربية والأميركية اللاتينية من المناطق «الحيوية التي تعيش تحولات جذرية في العالم».
من جانبه، قال خالد الصمدي، كاتب الدولة (وزير دولة)، المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي المغربي، إن استضافة بلاده للمؤتمر تؤكد دوره كـ«صلة وصل بين مجموعة من الدول، في إطار سياسة الانفتاح التي ينهجها المغرب، والمتميزة بتنويع الشركاء والتعاون مع دول الجنوب - جنوب»، مبرزا أن المحطات السابقة ساهمت في تعزيز «العلاقات الاقتصادية وتطوير التبادل التجاري وتقوية العلاقات السياسية، والارتقاء بها إلى مستوى التنسيق في عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين المنطقتين».
في الاتجاه نفسه، أكد خورخي تايانا، وزير خارجية الأرجنتين السابق المدير العام للمركز الدولي للدراسات السياسية بالجامعة الوطنية في سان مارتين، على أهمية خلق فضاءات للحوار بين المنطقة العربية وأميركا اللاتينية، داعيا إلى تضافر الجهود خدمة لـ«استمرارية مسلسل التقارب بين المنطقتين».
كما طالب الدبلوماسي الأرجنتيني دول المنطقتين بالسعي «القوي لتوطيد هذه العلاقات، التي عرفت تطورا في السنوات الأخيرة، والعمل على تحقيق التكامل بين اقتصادياتنا لبناء عالم أساسه الحقوق والسيادة، وأنا أثق في هذا المنتدى».
من جهته، أبرز محمد العرابي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري، أن بعض الأمور التي جرى طرحها في المحطات السابقة «لم تتم أجرأتها على أرض الواقع»، مؤكدا على أهمية التوقف عند أسباب هذا التباطؤ. وقال في هذا الصدد إن تعزيز فكرة الحوار بين دول الجنوب «هو السبيل الوحيد للإفلات من سطوة وسيطرة بعض القوى الدولية، التي تسعى إلى إحكام قبضتها على دول العالم»، معبرا عن أمله في أن تشكل توصيات المؤتمر «دفعة قوية لتقدم العلاقات إلى ما نصبو إليه».
أما الأكاديمي المغربي خالد الشكراوي، الباحث في معهد الدراسات الأفريقية، فقد سجل بأن المغرب حاول الاضطلاع بالدور الجيوستراتيجي في المنطقة العربية والأفريقية، وأنه أصبح «شريكا مهما في عدد من التكتلات الإقليمية»، مبرزا أن التقسيمات التي عاشها العالم «أضرت بعلاقات دول جنوب - جنوب، وفوتت على الشعوب فرصة النمو والازدهار».


ودعا الشكراوي إلى بناء علاقات بين دول أفريقيا وأميركا اللاتينية، مبرزا أن المغرب قادر على أن يكون حلقة بين المنطقتين، بفضل «تاريخ تراجيدي مشترك يتعلق بالعبودية والاستعمار، ونحن مدعوون لدراسة هذه العلاقات باعتماد معايير مغايرة للمنهجية الأوروبية والغربية».
كما انتقد الباحث المغربي انسحاب الولايات المتحدة من عدة اتفاقيات دولية، مبرزا أن فرنسا هي الأخرى تدافع في تدخلاتها بالدول الأفريقية عن مصالحها، موضحا أن هذا الوضع «يفرض علينا أن نراهن على تحالفات بيننا، نحن دول الجنوب، ولا بد من إعادة رسم خريطة تحالفاتنا».
من جهتها، دعت سيسيليا بايثا، الباحثة في جامعة برازيليا بالبرازيل، الدول العربية إلى إيلاء العناية اللازمة للجاليات العربية في دول أميركا اللاتينية، وطالبت بالتخلي عن النظرة الدونية لمسألة الهجرة والتقليل منها.
كما تأسفت بايثا لكون الدول العربية لم تقوِّ بما يكفي عمل الجاليات، ولم تستثمر فيها من أجل دفع وتصحيح الأفكار النمطية، والأحكام المسبقة السائدة على المنطقة العربية لدى شعوب أميركا اللاتينية.
كما طالبت بضرورة المبادرة إلى إحداث معاهد لتدريس اللغة العربية والتشجيع على تعلمها، حيث أشارت إلى أن شعوب أميركا اللاتينية لديها «اهتمام كبير بتعلم اللغة العربية، خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين العرب»، كما شددت في الآن ذاته على ضرورة الاستثمار في تقوية «الصناعة الثقافية، والبحث عن سلسلة القيم التي تنتجها، وخلق الجمال لفائدة العالم».


كما أفادت الباحثة البرازيلية بأن دول أميركا اللاتينية تضم مئات المؤسسات ذات الأصل العربي، وتتوفر على حياة جمعوية غنية ونشيطة في جميع البلدان، تتغنى بالافتخار بالانتماء العربي، وتحشد الدعم للقضايا العربية، وتسهم في تعميق الوعي بها في المنطقة، خاصة القضية الفلسطينية، وهذا ما ينبغي استثماره ودعمه.
ويتوقع أن يخرج المؤتمر الذي سينهي أشغاله اليوم (الأربعاء)، بتوصيات ومقترحات عملية؛ لتقوية العلاقات بين العرب وأميركا اللاتينية، سترفع إلى القادة السياسيين من أجل أجرأتها، وذلك بهدف تحقيق التعاون والتكامل الاقتصادي بين المنطقتين العربية والأميركية اللاتينية.