&زياد الدريس&&

تفاقمت قضية اختفاء الإعلامي السعودي البارز جمال خاشقجي، في الإعلام العالمي، إلى درجة تفوق المعقول والمنطق. ليس هذا انتقاصاً من قدر جمال، إنما من مصداقية الذين تباكوا عليه ولم يتباكوا على عشرات ومئات ممن اختفوا أو أُخفوا أو قُتلوا في غرب الأرض وشرقها!

تتوالى أخبار الاغتيالات الفردية والمذابح الجماعية في هذا العالم كل يوم، ولم نرَ مثل حجم هذا التباكي المتواطئ الذي شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين، فهل نستطيع التصديق ببراءة هذا الانشغال والحزن وعفويتهما؟

في مسلسلات الدراما البوليسية، تعوّدنا، نتيجة كثرة المشاهدة والتفاعل مع الحلقات السابقة، أن نشكّك من بداية الحلقة في أن يكون الفاعل هو الأكثر بكاءً على القتيل، وكانت ظنوننا غالباً ما تصدق، إذ يصل المحقق في نهاية المسلسل أو الحلقة، إلى أن القاتل هو الذي كان الأكثر بكاءً وتأثراً وحزناً!

يؤلمنا اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي، لكن ما يؤلمنا ويقلقنا أكثر بكثير، هو توظيف هذا الحادث للنيل من بلادي، المملكة العربية السعودية، وإطلاق حملة مسعورة متواطئة وغير عفوية ضدها.

‏هل يُعقل أن تنشغل هذه الدول والمنظمات (المتحضّرة) باختفاء شخص، مهما تكن صفته، وهي تقتل، أو تراقب قتل الملايين من البشر في جنوب العالم وشرقه، كل يوم، وبلا مبالاة؟!

‏ما هذه الإنسانية المزدوجة؟!

‏⁩ولماذا لم «تكشّر» هذه الإنسانية الحنونة عن أنيابها إلا الآن، وفي هذه الحادثة بالذات؟!

من محاسن الحوادث، أننا في كل مرة نتعرض لحملة تشويه جديدة ممنهجة، تتكشّف أقنعة جديدة من (الأصدقاء المزيّفين).

أجل، يهمنا ويشغلنا ويقلقنا اختفاء جمال خاشقجي، سواء بوصفه مواطناً سعودياً، أو إعلامياً بارزاً، أو إنساناً كريماً. لكن هذه المشاعر كلها لن تجعلني أنجرف مع الذين جعلوا روح جمال سلعة إعلامية يتبايعونها لمن يدفع أكثر. ولو كان جمال بيننا الآن، ردّه الله أو رحمه الله، لكان هو أول من يرد على هؤلاء المرتزقة ويفضح أجنداتهم المغلفة بالإنسانية!

وبعد، فإن الذين يدّعون انشغالهم بقضية ⁧جمال خاشقجي، في الحقيقة لا يهمهم اختفاء جمال، بل يهمهم إخفاء المملكة العربية السعودية. خيّب الله آمالهم وأعمالهم.