&&جبريل العبيدي

&

المزايدة على المملكة العربية السعودية في الحرص على مصير مواطنها السعودي تعتبر نوعاً من العهر السياسي، فالمواطن أصلاً سعودي، وسلامته تهمّ السعودية قبل غيرها، وقد أظهرت السلطات السعودية جهداً واضحاً ولا تزال في معرفة مصير مواطنها الصحافي المختفي جمال خاشقجي، الذي اختار طواعية الاغتراب بين أميركا وتركيا، وكان على تواصل مع سفارات بلاده في بلدان مختلفة لبعض شأنه.
ولكن من غير المنطقي القبول برواية سيدة تزعم أنها خطيبته دون أدنى دليل على كلامها، وفي ظل نفي معرفة عائلة خاشقجي لها، وإنكار مزاعمها بأنها خطيبة ابنهم المختفي في إسطنبول مما يضعها في دائرة الشك والتضليل.


اختفاء السيد جمال خاشقجي يبقى بالدرجة الأولى موضوعاً إنسانياً بحثاً، وهذا الأمر لم تغفل عنه السلطات السعودية، التي تعاونت بدرجة كبيرة جداً لحد السماح بتفتيش قنصليتها في إسطنبول بل ومنزل قنصلها نفسه، لتظهر للعالم حرصها على هذا التعاون الكبير من جانبها في سابقة دبلوماسية تحسب للمملكة السعودية كإثبات حسن النيات في التعاون، لمعرفة مصير مواطنها المختفي، مما يؤكد أن القنصلية كممثل للمملكة العربية السعودية بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وليست في حاجة لدليل تقدمه، كما أنه لم يعرف عن المملكة العربية السعودية أنها قامت بملاحقة حتى معارضيها وممارسة الاغتيال السياسي مع خصومها، الأمر الذي تفنن فيه القذافي والأسد وصدام في زمانهم، لدرجة أنه كاد يطال اغتيال الملك العروبي عبد الله، الذي عفا عمّن كان وراء محاولة اغتياله، في مكرمة تعبر عن السمو فوق الأذى.
ليس من سياسة المملكة العربية السعودية ممارسة العنف والاغتيال السياسي، وإلا لقامت به لو أرادت بعيداً عن مباني هيئاتها الدبلوماسية، وخاصة أن الرجل يتنقل في أزقة تركيا وحواريها من دون حراس أو رقيب، حيث يمكن اصطياده بسهولة، فلو أنه كانت هناك نية مسبقة لاغتياله لتم ذلك بكل يسر.
والمتصفح لتاريخ المملكة العربية السعودية سيجده بكل تأكيد خالياً من صفحات الاغتيال السياسي، وبالتالي قد يكون هناك طرف ثالث سعى وخطط لسيناريو إخفاء خاشقجي، على غرار سيناريو الصدر في سبعينات القرن الماضي، وإلصاق التهمة بالمملكة العربية السعودية عبر قنصليتها في إسطنبول، خاصة أن الإعلام القطري على وجه الخصوص كان مستعداً بهذا الكم الهائل من التقارير والبرامج التي تبدو مهلهلة وكأنها أعدت سلفاً لتغطية حالة الاختفاء، مما يؤكد أن طرفاً ثالثاً متورط في هذا الأمر، وكما قيل فتش عن المستفيد من إلصاق تهمة الاختفاء بقنصلية لا يمكن استخدامها في هكذا سيناريوهات.


لا شك أن مواقف خاشقجي كانت مؤيدة لتيار الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان خاصة، وبالتالي قد يكون وقع كبش فداء وقربانا قدمته جماعته، وقامت بتصفيته لاتهام السعودية بدمه، وهذا ديدن التنظيم المتطرف في قدرته على التخلص حتى من أعضائه، واعتبارهم شهداء في طريق مصالحه، انطلاقاً من القول: إرتكاب مفسدة صغرى تحقيقاً لغاية عظمى. وبالتالي لا يمكن استبعاد هذا السيناريو، فهذه التنظيمات والحركات اتخذت منذ نشأتها من العنف سبيلا. ويبدو أن للزميل خاشقجي أعداء كثراً، فلو نظرنا إلى تغريداته لوجدنا ذلك بكل سهولة.
من هذه التغريدات المتكررة كان منها ما يناصر تنظيمات أنصار الشريعة والإخوان والدروع في ليبيا خاصة، بل وتغريداته ضد نظام القذافي في هوجة الربيع العربي، وتندره بشخصيات القذافي والأسد وصالح، وهذا ربما قد جعل من الرجل هدفاً لأي تصفية حساب، في حال الخوض في فرضية بعيدة الاحتمال هي الاغتيال.
خاشقجي يبقى مواطناً سعودياً والسعودية دولة أولى بمواطنيها، وهي قادرة على حمايتهم والبحث في مصيرهم دون سواها.

&