علي بن حمد الخشيبان

الذين يعتقدون أن السعودية كدولة كانت تبحث عن الحقيقة لمجرد أن العالم بحث عنها هم مخطئون، فهذا مواطن سعودي، واختفاؤه أو فقدانه يتطلب من القيادة البحث عن تفسيرات واضحة أمام أسرته والشعب السعودي، وأمام الحق والعدالة، ثم بعد ذلك إطلاع العالم على ما حدث.

عند الساعة الواحدة والربع، دخل المواطن السعودي جمال خاشقجي إلى قنصلية بلاده المملكة العربية السعودية، وكان ذلك يوم الثلاثاء الثاني من أكتوبر 2018م، هذه رواية حقيقية عرفها الجميع ولم ينكرها أحد، ولكن الإعلام بكل أجناسه وميوله المعادي والصديق انطلق من تلك اللحظة في مسارات متفاوتة حول ما حدث داخل السفارة السعودية لمواطنها خاشقجي.

لا أحد ينكر أن هناك من استثمر في هذه القضية؛ ليكيل هجوما على المملكة، التي تلقت الأمر بشكل جدي وحاسم، وبحكم مسار المملكة وتاريخها في التعامل مع القضايا الحساسة، فقد عملت السعودية على التأني والصبر لمعرفة الحقيقة بكل تفاصيلها، وكنا والعالم على ثقة بأن القيادة السعودية ستكشف الحقيقة مهما كانت، وقد كتب المنصفون والعارفون بالمملكة أن القيادة السعودية لن تتأخر عن قول الحقيقة، خاصة أن هذه القضية لا يمكن بأي حال أن تظل معلقة بلا كشف في تاريخ الدولة السعودية، التي يعرف العالم كله أن تاريخها اليوم يقترب من ثلاثة قرون في مسار نقي وواضح أمام شعبها والعالم.

استنكر الشعب السعودي كما استنكرت قيادته موت مواطن سعودي وفقدانه في هذه الظروف، وكان التفسير الدائم لهذه الحادثة من قبل السعوديين بجمع فئاتهم أن تاريخ السعودية لا يمكن السماح لأحد بالإساءة إليه عبر اتهام هذا الوطن بأنه يتخلص من مواطنيه إذا اختلفوا معه. لقد كان التاريخ حاضرا والحقيقة منتظرة من القيادة السعودية حول هذه الأزمة، ولم يكن هناك شك لدى أي فرد في المملكة بمن فيهم أسرة المواطن السعودي (جمال خاشقجي) أن الحقيقة ستظهر مجددا في نهاية المطاف.

كتب الإعلام وتناثرت التفسيرات هنا وهناك، والكل يبحث عن الحقيقة على طريقته، وانشغل العالم، ولكن الرياض بقيت كالمعتاد تبحث بهدوء وتأنٍّ من أجل المصداقية، ولم يكن هناك خوف حول من تسبب أو الكيفية التي فقد فيها المواطن السعودي، فالعدل في هذه الدولة قضية راسخة، لا يستثنى منها أحد مهما كان، والقضاء السعودي قادر على التعاطي مع كل القضايا بكل وضوح، فالذين يعتقدون أن السعودية كدولة كانت تبحث عن الحقيقة لمجرد أن العالم بحث عنها، هم مخطئون، فهذا مواطن سعودي واختفاؤه أو فقدانه يتطلب من القيادة البحث عن تفسيرات واضحة أمام أسرة (خاشقجي) والشعب السعودي، وأمام الحق والعدالة، ثم بعد ذلك إطلاع العالم على ما حدث.

هذه الأزمة لم تكن بالأزمة السهلة التي تمر على شعب المملكة، ومع ذلك أثبت التاريخ أن الشعب السعودي واحد من الشعوب الفذة التي تدرك وتفهم كيف تفكر وتتصرف قيادتها، ولذلك كان الشعب السعودي ينتظر حقيقة ما حدث؛ لأنه على ثقة بأن السعودية لا يمكن أن تترك مواطنها (جمال خاشقجي) ليفقد من دون محاسبة المتورطين مهما كانت مواقعهم، ما دام أنهم وجدوا في مسار هذه القضية.

استمرت القيادة السعوية خلال مرحلة الاختفاء في البحث والتحري والتعاون دوليا وإقليميا؛ للحصول على لب الحقيقة وليس تصورات ناقصة الأدلة، وصمتت السعودية عشرين يوما؛ لأنها تريد أن تتكلم في الوقت المناسب، وعندما يكون الإلمام بالحقيقة قد وصل إلى منتهاه. لقد كانت الشجاعة السعودية بقيادتها العارفة بالسياسة في نهاية الممر لترد على كل أولئك بالأدلة القاطعة، وأن العدل هو المسار الوحيد الذي ستتخذه السعودية مهما كان حجم هذه الحقيقة وقسوتها.

في صبيحة يوم السبت العشرين من أكتوبر من عام 2018م، المملكة العربية السعودية تعلن الحقائق بلا تردد، وتكشف ملابسات القضية بتفاصيل واضحة لكل من أسهم في فقدان المواطن السعودي (جمال خاشقجي)، لم يكن هناك أحد فوق القانون في تلك اللحظة، فقرارات خادم الحرمين الشريفين في تلك الليلة كانت سيفا من العدل، لم يكن الهدف منه سوى رسالة واضحة وقوية للعالم كله «إن العدل هو أساس الملك في السعودية».

ارتبك العالم بعد هذا البيان، وسقطت الأقنعة التي استماتت لكي تقول إن السعودية لن تقول الحقيقة، ولكن من لا يعرف تاريخ هذا الوطن فسيطلق نفسه لخيالات واسعة لقصصه المفتعلة. أعلنت السعودية بكل جرأة وثبات كل التفاصيل كما هي وبلا أي نواقص، لتقول للعالم هذه هي الحقيقة، ومن ارتكب الأخطاء سينال جزاءه، وترحمت السعودية في كل بياناتها على فقدان (الأستاذ جمال خاشقجي) المواطن السعودي، ووعدت بأن المتورطين سينالون جزاءهم.