طلال صالح بنان

يذهب الناخبون الأمريكيون اليوم لصناديق الاقتراع لاختيار الكونغرس القادم (٤٣٥ نائبا و٣٥ شيخا). الكونغرس المنقضية ولاياته، كان جمهورياً بامتياز، إذ يتمتع الجمهوريون فيه بأغلبية ٢٣٨ مقعداً في مجلس النواب و٥١ مقعداً في مجلس الشيوخ. يأمل الديموقراطيون أن يقلبوا معادلة الكونغرس القادم، ليفوزوا بالأغلبية في المجلسين. بينما يحاول الجمهوريون تعزيز تفوقهم الحالي في المجلسين، خاصةً في مجلس الشيوخ، ليضمنوا هيمنتهم التشريعية في دورة الكونغرس القادمة.

عادةً ما تكون انتخابات الكونغرس النصفية، بمثابة الاستفتاء على الرئيس. لكن المتواتر تاريخياً في سلوك الناخب الأمريكي، أنه لا يرتاح بوجود رئيس وكونغرس من حزب واحد، مهما كانت شعبية الرئيس في وقت إجراء الانتخابات النصفية. الناخب الأمريكي، بصفة عامة، لا يثق في الحكومة.. وبالأخص: لا يرتاح لحكومة تسيطر على السلطتين التنفيذية والتشريعية، طوال دورة رئاسية وتشريعية كاملة، بوجود رئيس أمريكي وأغلبية لحزبه في الكونغرس.

هذا القلق من احتمال وجود رئيس أمريكي وأغلبية في الكونغرس من نفس الحزب، طوال دورة رئاسية وتشريعية واحدة، مهما كانت شعبية الرئيس وحزبه، يعكس سلوك الناخب الأمريكي بتأكيد سيطرته على الحكومة.. وتذكير رموز النخب الرفيعة في مؤسسات الدولة السيادية، بأن المواطن هو صاحب السيادة الأول والوحيد.. وأن بقاء رموز السلطة واستمرار سطوة مؤسسات الدولة، يعتمد أساساً على إرادة الناخب، لا على إرادة من هو في السلطة، سواء كان الرئيس بوصفه رئيس السلطة التنفيذية.. أو الكونغرس، الذي يمارس السلطة التشريعية.

هذا حتى في حالة تمتع الرئيس وحزبه بشعبية تعكس رضاءً وقناعةً بأدائه، وفاعلية وكفاءة لإدارته. بالتبعية: تكون إمكانية تغيير خريطة الكونغرس في الانتخابات النصفية، أكثر احتمالاً، إذا كان الرئيس وحزبه لا يتمتعون بشعبية بين الناخبين. انتخابات اليوم التشريعية تُجرى والرئيس الأمريكي دونالد ترمب يحطم رقماً قياسياً في تدني شعبية أي رئيس قبله. لذا الكثيرون يتوقعون أن لا تحظى إدارة الرئيس ترمب بكونغرس مؤيد، في النصف الثاني من ولايته الحالية.

مما يعزز فرص الديموقراطيين سيطرتهم على الكونغرس القادم، تمادي الرئيس الأمريكي طوال فترة النصف الأول من ولايته، في خطابه الشعبوي، الذي يعتبره الكثيرون خطاباً محرضاً مغرقاً في يمينيته وتطرفه، لدرجة اعتباره خطراً، على السلام الاجتماعي.. ونكراناً لقيم الليبرالية المتسامحة، التي تتلاقى مع حالة التعددية التقليدية في المجتمع الأمريكي. لقد بلغت حدة الخطاب الشعبوي أوجها قبيل انتخابات اليوم التشريعية، في سلسلة الطرود الناسفة، التي تم اعتراضها من قبل أجهزة الأمن، قبل أن تصل إلى وجهتها لساسة ومؤسسات إعلامية وشخصيات عامة عرفت بليبراليتها وتسامحها وغيرتها على قيم المجتمع الأمريكي الديموقراطية.

لكن قلق الرئيس الأمريكي، من تحول مزاج الناخب الأمريكي عن إدارته وسيطرة حزبه على الكونغرس، لا يقف عند إرجاعه لخلفية أيديولوجية يمكن أن تعرقل برنامج الرئيس ترمب غير التقليدي في التعاطي مع قضايا الاقتصاد.. والأمن.. والخدمات.. والقضايا الاجتماعية الشائكة، والسياسة الخارجية... بل علينا ألا نغفل بعداً شخصياً، يعكس مصدر القلق الحقيقي للرئيس ترمب من تغيير خريطة الكونغرس، باحتمال سيطرة الديموقراطيين عليه. الرئيس ترمب يخشى أنه من شأن قلب صورة الكونغرس الجديد، عن ما كان عليه الحال في النصف الأول من ولايته الحالية، تعزيز فرص الديموقراطيين في المضي قدماً في تحقيقات المحقق الفيدرالي روبرت مولر، مما يزيد من فرص احتمالات المضي في إجراءات عزله.. وربما خروجه من البيت الأبيض.

لكن المشكلة التي تواجه الديموقراطيين من تحقيق نصر حاسم في انتخابات اليوم، خاصة في مجلس الشيوخ، أن انتخابات الإعادة لبعض أعضاء مجلس الشيوخ، تُجرى في ولايات تحظى تقليدياً بدعم الجمهوريين، خاصة إذا ما استطاع الحزب الجمهوري أن يدفع ناخبيه الجمهوريين إلى التصويت بكثافة اليوم.. وتقاعس الكثير من الديموقراطيين عن ممارسة حقهم الانتخابي، كما حدث في انتخابات ٢٠١٦.

ما يتطلع إليه الرئيس ترمب اليوم، ليس فقط الاحتفاظ بالأغلبية الحالية للجمهوريين في مجلس الشيوخ، التي يعتبرها أغلبية ضئيلة (مقعدان فقط)، بل محاولة الحصول على أغلبية مريحة تساعده المضي في أجندته اليمينية المتطرفة، ما بقي من ولايته الحالية، بعيداً عن شبح احتمالات عزله، بموجب نتائج تحقيقات لجنة مولر، الأمر الذي يُعتبر احتمالا يمكن تطوره، إذا ما حصل الديموقراطيون على الأغلبية في مجلس الشيوخ.. وربما، أيضاً، بناء الرئيس ترمب على هذا النصر، لو حقق الجمهوريون المعجزة اليوم، الظفر بولاية ثانية في انتخابات ٢٠٢٠ الرئاسية القادمة.

لا يوجد شخص في العالم ينتظر بقلق نتيجة انتخابات الكونغرس النصفية، التي تُجرى اليوم، مثل الرئيس ترمب.