قصة الدكتور جلال أمين مع يوسف شاهين هي قصته، أو حساسيته المفرطة من جميع المتأثرين بالثقافات الغربية. وإنما أكثر قليلاً، وربما أكثر كثيراً. فهو قبل أن ينتقد محمد عبد الوهاب يعبّر عن تأثره به ومحبته له وتقديره لعبقريته.&

وقبل أن ينتقد توفيق الحكيم يتحدث طويلاً عن أعماله الأولى وأصالته وروعة «يوميات نائب في الأرياف»، و«عودة الروح». أما بالنسبة ليوسف شاهين فبلا رحمة ولا مهادنة منذ أن ذهب في المرة الأولى لرؤية فيلم «إسكندرية ليه». عندما كان في لوس أنجليس يومها عقد شاهين مؤتمراً صحافياً بعد عرض الفيلم حضره الدكتور أمين، وأدلى برأيه بأن الفيلم لا يتماشى مع روح المصريين وذوقهم وإيقاعهم. فغضب المخرج غضباً شديداً. وعلق أمين قائلاً: «الفيلم خلاب من الناحية الشكلية نعم، ولكن هل يغفر هذا الجمال الشكلي عيوب الفيلم؟ لا».

بعدها يذهب الدكتور أمين لحضور فيلم «وداعاً بونابارت» ويخرج من الصالة بالمشاعر نفسها التي خرج منها بالفيلم السابق. ولم يرَ في السينمائي الشهير «سوى مخرج متحلقٍ يخاطب الخواجات من فوق رؤوس المصريين». ثم يعرض فيلم «حدوتة مصرية» في صالة قريبة من منزل الدكتور فيذهب لحضوره: «وكرهت (حدوتة مصرية) بشدة، وتساءلت بغضب بيني وبين نفسي لماذا يظنّ مخرجٌ أنّ من حقه أن يشغل الناس بوقائع من حياته الشخصية لا مغزى لها على الإطلاق بالنسبة للمشاهدين».

ثم يعرض يوسف شاهين فيلمه التالي «المهاجر» وتتدافع الناس لمشاهدته واقفة في الطوابير. وفي أحد هذه الطوابير يقف أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية، وعندما يخرج من الفيلم: «لا يتأكد لي فقط كل ما شعرت به من قبل إزاء (إسكندرية ليه) و(وداعاً بونابارت)، ولكني وجدت أنه يحمل رسالة سياسية سيئة للغاية، وكتبت مقالاً عنه بعنوان مبهر للعين ثقيل جداً على القلب، فإذا بي أتعرّض لهجوم من كل صوب، وكأن ليوسف شاهين أنصاراً مسلحين منبثين وراء كل جدار، متأهبين لأي بادرة نقدٍ قد توجه إليه لينقضوا على صاحبها، وهو الذي يدعي أن رسالته هي حرية الفكر والتعبير».

ثم يأتي دور أشهر أفلام يوسف شاهين: «المصير»، فيعرض أولاً في الخارج فتسبقه إلى مصر ضجة أكثر من أي فيلم آخر من قبل. ويعدد الدكتور أمين أنواع المقالات التي ظهرت آنذاك مرحبة بالفيلم. ولا يتردد في الذهاب إلى مشاهدته فماذا يرى فيه؟: «رأيت أشياء جميلة جداً وأشياء سيئة للغاية. كل لقطة تحفة. المناظر خلابة والديكور رائع. وتكوين كل منظر أشبه باللوحة ووجوه الممثلين أيضاً رائعة. ولكن تفسير الفيلم لشخصية ابن رشد كان تفسيراً غير حكيم بالمرة». لن يفلت يوسف شاهين من غضب الدكتور مهما فعل.

إلى اللقاء..