&عبير خالد&&

تجاهلت دراسات ما بعد الاستعمار إلى حد كبير أبعادا واسعة من الإعلام والاتصال، ولو تم تضمينها لربما حظينا بمنتجات علمية أكثر شمولا وأكثر وضوحا في تفسيرها وشرحها للاستعمار، والخطاب الاستعماري. غالبا ما كانت أهداف دراسات ما بعد الاستعمار أو «بوست كولونيال» تتمحور حول أبعاد سياسية وسلطوية، معتمدة في ذلك على معارف مؤسساتية مسبقة تم رصدها أثناء حالات الاستعمار، أمور لها جذورها التاريخية والجغرافية. وهي بذلك لا تنظر بالضرورة لأمور مستجدة وحديثة في جوانب اتصالية ورقمية على سبيل المثال، كما أنها منحصرة في بداياتها على مؤلفات منظّرين أوروبيين دون تنوع في مصادر هذا الحقل العلمي بين الأوروبيين وغيرهم من الأجناس، وبين الرجال والنساء وبين البيض وغيرهم من الأعراق. فشلت دراسات ما بعد الاستعمار في الخروج من الإطار السياسي والاجتماعي في السابق وحتى هذا الوقت المعاصر، مما جعلها عاجزة عن التعامل مع الحداثة، بل وربما يتصادم خطاب ما بعد الاستعمار مع مستجدات تقنية جعلت العالم بأقطاره كافة، كما يقول «مارشال ماكلوهان»، أشبه بالقرية العالمية. حتى خطاب ما بعد الاستعمار الشهير لإدوارد سعيد «الاستشراق»، رغم أنه يستعرض بشكل ذكي أكاديميا وعميق ثقافيا الفروقات الواضحة بين الشرق والغرب وكيف ينظر كل شق للآخر، ولكن النظر لكتاب إدوارد سعيد في هذا الوقت، ومع التقدم الرقمي السريع الذي كشف الشرق للغرب وكشف الغرب للشرق فقد باتت كثير من أطروحاته إلى حد ما غير قابلة للتطبيق.&


&مدينة بانغلور الهندية -الملقبة بسيليكون فالي الشرق، هونغ كونغ الصين وسنغافورة كلها أمثلة على عواصم شرقية سبق وارتبطت بمستعمرين لكنها اليوم باتت مراكز قوى اقتصادية لا يستهان بها، لها ثقلها العالمي ووزنها ودورها الجيوسياسي مما يجعل النظرة الاستعمارية المطروحة في دراسات ما بعد الاستعمار لهذه العواصم هي نظرة مغلوطة، لا تنطبق أو تتوافق مع متغيرات ومستجدات العصر. يقول الباحث «ستيوارت هول»: تنبع قيمة دراسات ما بعد الاستعمار من مجرّد رفضها لما كان وما سيكون، رفضها لما حصل هناك وما يحصل هنا، رفضها للمواطنة والاغتراب في آن واحد معا.&
&إن دراسات اتصالية متداخلة مع جوانب استعمارية سوف تستطيع الربط بين الشعوب وتاريخها بشكل أكثر ذكاءً. بينما يشير خطاب ما بعد الاستعمار للغرب والآخر، فإن دراسات اتصالية ستحل هذه المساحة المفقودة وبالتالي صناعة حوار متبادل ثقافيا بين المستعمرين تاريخيا والمُستعمرين. تستطيع دراسات الاتصال والإعلام المعاصرة والمتضمنة وعيا تقنيا ورقميا أن تعالج إشكالات خطاب ما بعد الاستعمار، هذا المقترح كتب عنه عدد من أبرز الأكاديميين والباحثين المهتمين في التداخل التخصصي بين مجاليّ دراسات ما بعد الاستعمار ودراسات الإعلام والاتصال، لعل أبرزهم Raka Shome من جامعة سنغافورة، وRadha S. Hegde من جامعة نيويورك.

&