FINANCIAL TIMES

الصين واليابان .. جزيرة منسية تعيد ذكريات حرب وحشية

جديون راشمان من لندن

بالنسبة إلى المسؤولين اليابانيين، قمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي الأخيرة في بابوا نيو غينيا كانت رحلة غير مريحة نوعا ما، عادت بهم إلى سلسلة من ذكريات الماضي. كانت جزيرة نيو غينيا مسرحا لبعض من أكثر المعارك وحشية في الحرب العالمية الثانية، مات فيها أكثر من 100 ألف جندي ياباني، في صراع مع الأمريكيين والأستراليين.


عاد الوفد الياباني إلى طوكيو ولديه إحساس قوي بأن هذه الزاوية المغمورة من العالم آخذة في التحول مرة أخرى إلى مسرح لصراع بين القوى العظمى. قمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي تزامنت مع إعلان أن أستراليا والولايات المتحدة تخططان معا لتطوير قاعدة بحرية في مانوس في بابوا نيو غينيا – جزء من جهود واضحة للرد على النفوذ الصيني المتزايد جنوبي المحيط الهادي. الصينيون أنفسهم مستثمرون كبار في المنطقة، وهناك شائعات تتحدث عن سعيهم للحصول على قاعدة عسكرية.
التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين تُذكّر بعض مختصي الاستراتيجية اليابانيين بالتنافس بين أمريكا واليابان في الثلاثينيات. أخبرني أحد كبار المسؤولين اليابانيين أن "الصينيين لا يفهمون حتى الآن أن الأمريكيين عندما يشعرون أن قيادتهم مُهددة، ردة فعلهم تكون وحشية". لكن المسؤول نفسه أشار إلى أن الصين الآن في وضع أقوى يؤهلها لتحدي الولايات المتحدة، خلافا لما كانت عليه اليابان في الثلاثينيات.


في وقت بيرل هاربر، كان اقتصاد اليابان يشكل 10 في المائة فقط من حجم الاقتصاد الأمريكي. في المقابل، يبلغ اقتصاد الصين الآن 60 في المائة من حجم الاقتصاد الأمريكي. عندما يُقاس حسب القوة الشرائية يكون أكبر.
هذا النوع من الأفكار في طوكيو يثير غضبا شديدا في بكين. يُجادل الصينيون بأنه لا توجد مقارنة بين حملتهم المدفوعة بالاستثمار في آسيا – أو حتى بناء قواعدهم العسكرية في بحر الصين الجنوبي – وبين الأعمال العسكرية اليابانية الوحشية في الثلاثينيات والأربعينيات.
التوترات التاريخية العالقة تضمن أن اليابان هي أكثر بكثير من مجرد مراقب محايد للمنافسة المتنامية بين الولايات المتحدة والصين. باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وجارة للصين، وحليفا مقربا للولايات المتحدة، اليابان مهتمة تماما بتوازن القوى في آسيا.
بالنسبة إلى شينزو آبي، رئيس الوزراء الياباني، الموضوع الموحِد لجميع سياساته – الخارجية والداخلية – هو الجهود المبذولة لإعداد بلاده للتعامل مع الصين القوية على نحو متزايد. تولى آبي منصبه في عام 2012، واعدا بأن يكون القائد الذي سيواجه بكين بشأن بعض الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي. كما أن حكومته أعادت تفسير الدستور الياباني لتسهيل قتال قواتها العسكرية إلى جانب أمريكا.


لكن قد يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حليفا محبطا ومثيرا للقلق، فهو مستمر في التهديد بفرض رسوم جمركية على اليابان فضلا عن الصين. لذلك بدأ اليابانيون بتحويط رهاناتهم. الصين هي أكبر شريك تجاري لليابان، وكما يُشير أحد الدبلوماسيين اليابانيين "لا تزال شركاتنا تركز بشكل كبير على سوق الصين الواسعة". لهذا السبب، إذا تمكّنت الحكومة اليابانية من الحد من التوترات مع بكين، ستفعل. في تشرين الأول (أكتوبر) سافر آبي إلى بكين من أجل لقائه الأكثر ودية مع الرئيس تشي جينبينج منذ تولي الزعيمين السلطة في عام 2012.
مع ذلك، الافتراض طويل الأمد في طوكيو هو أن الصين تبقى التهديد الوحيد الأكبر لأمن واستقلال اليابان. تعرف حكومة آبي أن الفجوة الاقتصادية والعسكرية بين اليابان والصين واسعة ومستمرة في التوسع. صورة البحرية الصينية سريعة النمو تلازِم خيال صناع السياسة في طوكيو، الذين يعرفون أن اقتصاد جزيرتهم يعتمد على الممرات البحرية المفتوحة.


لذلك طوكيو حريصة على تعزيز علاقاتها الدولية إلى ما وراء الولايات المتحدة بكثير. المبادرة الخارجية الرئيسية لحكومة آبي هي عبارة عن مسعى يرمي إلى بناء شبكة غير رسمية من الديمقراطيات الرائدة في المنطقة. ويتمثل الطموح في إيجاد "منطقة حرة ومفتوحة في المحيطين الهندي والهادي"، حيث الهند وأستراليا شريكان رئيسيان. كلتاهما ديمقراطية زميلة واقتصاد كبير، يمكن أن تعززا طرفي النهاية في المنطقة الحرة الشاسعة، المقترحة. رؤية اليابان المتعلقة بالمحيط الهندي والمحيط الهادي لا تركز على مساعدات التنمية والاستثمار فقط – مجالان يُمكن أن تتفوق فيهما الصين من حيث الإنفاق – لكن أيضا "تعزيز القيم الأساسية" مثل سيادة القانون، والانفتاح، والتجارة الحرة، وحرية الملاحة.
خلف هذا الشعار يوجد تصور في طوكيو مفاده أن معظم البلدان في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادي ليست لديها رغبة في العيش في ظل الصين الاستبدادية، ويُمكن أن تتحرك معا لصد الصين.
لكن هناك ديمقراطية واحدة بارزة واقتصادا قويا يلعب دورا صغيرا في هذه المبادرة اليابانية: كوريا الجنوبية. من الناحية النظرية، سيئول وطوكيو لديهما أسباب قوية تماما للعمل معا. فكلتاهما ديمقراطية، مع قلق مشترك بشأن تعرضهما للتهديد من الصين وتواجهان خطرا مشتركا من كوريا الشمالية. وهما أيضا اقتصادان متقدمان يواجهان قضايا اجتماعية مماثلة، مثل المجتمع المتقدم في السن.


لكن العلاقات بين البلدين شائكة. يشعر اليابانيون بالغضب مما يعتبرونه جهود كوريا الجنوبية لإعادة فتح مسألة تعويضات زمن الحرب. فلا يزال كثيرون في كوريا الجنوبية يتهمون اليابان بعدم اعترافها بشرور ماضيها الاستعماري.
رغم مشاعر المرارة التي يتسم بها هذا النزاع، إلا أن اليابان وكوريا الجنوبية، أهم بلدين ديمقراطيين في شرقي آسيا، لا بد لهما من العثور على طريقة للعمل معا. بخلاف ذلك ليست لديهما فرصة تذكر للعثور على مجال للمسائل الاستراتيجية، كونهما محشورتين بين العملاقين الصيني والأمريكي.