&رضوان السيد

&أهداني الزميل نبيل عبد الفتاح كتابه الجديد «تجديد الفكر الديني». وعبد الفتاح بالإضافة إلى تخصصه في العلوم الاجتماعية والسياسية، مهتم بالحالة الدينية المصرية لدى المسلمين والأقباط والإنجيليين. وكان لسنواتٍ مشرفاً على إصدار تقرير الحالة الدينية في مركز الأهرام. لذلك يمكن الاعتماد على معرفته بالوضع الديني الاجتماعي، والوضع الديني السياسي، أي علاقة الدولة بالمؤسسات الدينية وبخاصةٍ الأزهر والكنيسة القبطية. ولأنني كنتُ قد اهتممتُ بين 2011 و2014 بتطورات الأحداث بمصر، وضمنها علاقات الأزهر بالدولة والمجتمع، وكتبتُ عنها في كتابي «أزمنة التغيير: الدين والدولة والإسلام السياسي» (2014)، فقد أمتعتني المطالعة الشاملة التي قام بها الأستاذ عبد الفتاح، وبخاصةٍ لجهة المقارنة بين الرؤيتين، ولجهة استكشاف ما يمكن استشرافه للمستقبل. وفي كل ذلك، هناك اختلافٌ في نهايات الرؤية وليس في بداياتها بيني وبينه. فقد نظرتُ إلى مصر والأزهر في تلك الفترة المضطربة وإلى الآن باعتبارهما المرآة والمشهد لحاضر العالم العربي ومستقبله. أما الأستاذ عبد الفتاح، وبحكم اطّلاعه على الأوضاع في مصر وسوريا والأردن ولبنان، فقد كان أكثر اهتماماً، بعد التركيز على مصر، بالأحوال الدينية والمستقبلية للمسيحيين بمصر أولاً وخارج مصر في الحقبة ذاتها التي كتب عنها كلانا.

ما خاف الأزهر من وجهة نظري من ثورة عام 2011، بل خاف من بروز الحركات الأصولية (إخواناً وسلفيين). لذلك انحاز في البداية (فترة قصيرة لم تتجاوز الثلاثة أشهُر) إلى السلطة القائمة ثم المجلس العسكري. لكنه سرعان ما انصرف إلى دعم التغيير في إطار الدولة الوطنية المصرية. وعبد الفتاح يذكر البيانات الأربعة التي احتضن الأزهر كبار المثقفين المصريين مسلمين وأقباطاً في إصدارها، وشكّلت نقطة تحول، لجهة العلاقة بين الدين والدولة، ولجهة إمكانيات وفُرَص التغيير والتجديد في الفكر الديني، ولجهة العلائق بين المسلمين والمسيحيين، ثم لجهة العلائق بالإحيائيات والثوريات الإسلامية.&
في عام 2013 انتقل التخوف لدى المصريين ولدى الأزهر من الخوف من الدولة إلى الخوف عليها. وما جاء التخوف من الفوضى والعنف فقط، بل ومن إمكان استيلاء الإحيائيين على الدولة، وهذه المرة من خلال الانتخابات، ومن خلال تغيير الدستور، وعبر الحشود الصارخة في الشارع. لذلك ليس دقيقاً أنّ بيانات الأزهر جرى التخلّي عنها أو التنكُّر لها، بل إنّ الأزهر خاف على مصر كما يعرفها، وسمِّ هذا التفكير ما تشاء: تقليدياً أو محافظاً، لأنّ المؤسسة الدينية المصرية ما كانت أبداً مع الدولة الدينية. فقد ظلَّ الأزهر يحكِّم أعرافه وعلاقاته الاجتماعية الراسخة، ويعتبر الدولة الوطنية المصرية ضمانةً للدين. وفي العامين 2012 و2013 وعندما كانت بياناتُ الأزهر عن الدولة الدستورية وعن الحريات تصدر، فإنّ السلطة الجديدة أوشكت أن لا تعود مأمونة أو حامية.&


لقد ارتاع الأزهر من التطرف العنيف الذي استشرى في مصر وسوريا والعراق وليبيا، لذلك مضى بالداخل والخارج إلى مكافحة التطرف: من خلال منابر المساجد، والمؤتمرات الجامعة، والتواصل مع المؤسسات الدينية العالمية. ما عاد الأزهر خائفاً على الدولة، بل تركّز خوفه في الإسلام وعليه. ولا ننسى أنّ الأزهر عقد في 2017 مؤتمراً للمواطنة والعيش المشترك، وأصدر إعلاناً شهيراً في ذلك، وعقد مؤتمراً للسلام حضره بابا الفاتيكان. فالمواطنةُ التي ذُكرت مرتين أو ثلاثاً في البيانات المصرية الأُولى، صارت ديدن الأزهر وبخاصةٍ في اقترانها بالعيش المشترك. وهذا تفكير جديدٌ في المجال الإسلامي، جرى التأصيل له باعتبار دولة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة دولةَ مواطنةٍ وتعدُّدٍ اجتماعي.
وبالطبع ليس الأزهر معصوماً، ولا هو جمعية ليبرالية للهُواة من جماعات المجتمع المدني. وقد يكون الثوران في الإسلام فاجأه، بل فاجأ كثيرين منا. فمؤسساتنا الدينية ما تزال تحتاج إلى التأهُّلٍ والتأهيل، وليس لمكافحة التطرف واستيعابه فقط، بل ومن أجل فهم ومتابعة الموجات الهائلة من المتدينين الجدد، وليس الزنادقة الجدد كما يخشى كثيرون.&


كتاب عبد الفتاح بالغ الجدية، ويحتاج إلى اهتمامٍ أكبر ومساحةٍ أوسع للمناقشة، ومن لا يهتم بمصر ولمصر لا يهتم لمستقبل العرب والإسلام.&