نايف معلا&

عطفاً على مقالتي السابقة المنشورة أول من أمس (الأحد) بعنوان: «تقييم وتقويم حالة حقوق الإنسان»، ذكرت أن السعودية مهيأة لتكون أنموذجاً يضاهي النماذج الرائدة في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وأشرت إلى أحد أهم العوامل أو مواطن القوة لتحقيق هذا الهدف، وهو بتعبير فني، وجود إرادة على أعلى مستويات، متأهبة نحو بلوغ أفضل المستويات في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وتحقيق تنميةٍ مستدامة محورها وموضوعها الإنسان، ولعل اقتصاري على ذكر هذا العامل دون سواه، كان تماشياً مع موضوع المقالة السابقة، الذي يتحدث عن تقييم حالة حقوق الإنسان من منظورٍ فني بشكلٍ عام، وإلا فالعوامل المهيأة لتحقيق ذلك الهدف كثيرة، ومتنوعة يمكن تصنيفها في محددات عدة، كالعوامل القيمية مثل مقاصد وقواعد الشريعة الإسلامية، وهذا العامل يتقاطع مع العامل الذي أشرت إليه (وجود الإرادة) من وجه أن الشريعة الإسلامية وضعت على عاتق الحاكم المسلم مسؤولية حفظ حقوق الإنسان، كما أن الشريعة الإسلامية لم تقف عند وجوب حماية حقوق الإنسان، بل تجاوزت ذلك إلى وجوب كل ما يؤدي إلى حمايتها وفقاً للقاعدة الشرعية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».


ومن العوامل المهمة أيضاً الملاءة في الإنفاق، أو بتعبير آخر القوة الاقتصادية، فالسعودية أنعم الله عليها بثروات ومقدرات جعلتها في مصاف الدول ذات التأثير في الاقتصاد العالمي، فهي عضو في منظمة أوبك، وعضو في مجموعة العشرين، وتشغل مرتبة متقدمة في قائمة الدول المانحة، وبالتالي فإنها مهيأة بجدارة أن تحقق أعلى المستويات في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحديداً، باعتبارها حقوقاً إيجابية يتطلب إعمالها اتخاذ تدابير تدريجية مادية أو ملموسة إن صح التعبير، بخلاف الحقوق السلبية التي يكاد يقتصر إعمالها في الامتناع عن التدخل التعسفي في ممارستها من قبل الأفراد، وإعمالها يكون فورياً بطبيعته.

أتحدث هنا عن تطلع متقدم يمثل تحقيقه الانتقال من طور الالتزامات في مجال حقوق الإنسان إلى طور أفضل الممارسات، وإلا فإن السعودية قد حققت، وخاصة خلال السنوات الثلاث الماضية، تقدماً كبيراً في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان على مختلف المستويات، عاشه مواطِنُها والمقيم فيها، قبل أن تتردد أصداؤه في التقارير الأممية، فعلى سبيل الذكر، لدى السعودية إطار قانوني متين يعزز ويحمي حقوق الإنسان، قوامه أنظمة ولوائح وأسس قانونية تغطي مجالات حقوق الإنسان أو جلها إن لم يكن كلها، وفي مقدمتها النظام الأساسي للحكم، ونظام القضاء، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام الأحداث، ونظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، ونظام الحماية من الإيذاء، ونظام حماية الطفل، ونظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ونظام مكافحة جريمة التحرش، هذا بالإضافة إلى الأنظمة العادية ولوائحها التنفيذية التي تُعنى بحقوق الإنسان المختلفة كالتعليم والصحة والعمل والضمان الاجتماعي ونحو ذلك.

ويشار في هذا السياق أيضاً، إلى الأمر السامي رقم 33322 الصادر في أبريل 2017، الذي قضى على جميع الجهات المعنية بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة شخص آخر عند تقديم الخدمات لها أو إنهاء الإجراءات الخاصة بها..، والأمر السامي رقم 905 الصادر في سبتمبر 2017، الذي قضى باعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة للذكور والإناث على حدٍ سواء.

كما أن السعودية طرفٌ في خمسة من اتفاقات الأمم المتحدة الرئيسة لحقوق الإنسان، والبالغ عددها تسعة اتفاقات، وطرفٌ في ثلاثة بروتوكولات لاحقة باتفاقين من تلك الاتفاقات، إذ أصبحت المملكة طرفاً في الاتفاق الدولي للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاق مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة، واتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاق حقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري المتعلق باشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبروتوكولها الاختياري المتعلق ببيع الأطفال وبغاء الأطفال واستغلالهم في المواد الإباحية، واتفاق حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكولها الاختياري، ومما يجدر ذكره أن تلك الصكوك قد أصبحت بانضمام السعودية إليها أو مصادقتها عليها جزءاً من قانونها الوطني مع مراعاة ما أبدته من تحفظات.

ولدى السعودية إطار مؤسسي فاعل يُعنى بتعزيز وحماية حقوق الإنسان وفق المرتكزات الثلاثة (الوقاية، والحماية، والمقاضاة)، ويشمل هذا الإطار الأجهزة القضائية كمحاكم القضاء العام والقضاء الإداري بمختلف أنواعها ودرجاتها والنيابة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، والجهات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية التي تعنى بحقوق الإنسان كهيئة حقوق الإنسان، ومجلس شؤون الأسرة، وهيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، والهيئة السعودية للملكية الفكرية، والهيئات المهنية كالهيئة السعودية للمحامين، وهيئة الصحفيين السعوديين ونحوها، ومؤسسات المجتمع المدني كالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، ومؤسسة الملك خالد الخيرية، ومؤسسة النهضة النسائية، وجمعية مودة الخيرية للحد من الطلاق وآثاره، وجمعية رعاية الأطفال المعوقين، وجمعية رعاية الأيتام وغيرها.

هذا استعراض موجز للإطارين القانوني والمؤسسي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في السعودية، إذْ إنهما العنصران الأساسيان في عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان، فمن غير بناء هذين الإطارين وتضافرهما بشكلٍ فاعل، يظل أي حراكٍ في سياق حماية حقوق الإنسان وتعزيزها قاصراً أو متجاوزاً! لذلك فإن التركيز عليهما ملحوظ في الاتفاقات الدولية، وفي ملاحظات الخبراء الأمميين.

&